العدد 1644 - الأربعاء 07 مارس 2007م الموافق 17 صفر 1428هـ

الخوصصة (2/3)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ولم يعد مفهوم التخصيص الحديث يقف عند حدود نقل ملكية المشروعات العامة كليا أو جزئيا، أو إدارة وتشغيلا للقطاع الخاص، وامتد إلى رسم السياسات التي تحفز على تحويل القطاع العام إلى قطاع خاص، بالإضافة إلى بناء وتأسيس القطاع الخاص للمشروعات العامة مقابل الانتفاع بها لفترة من الزمن يتم الاتفاق عليها ومن ثم تعود ملكيتها إلى الدولة.

لذلك اكتسبت كلمة الخصخصة أكثر من دلالة سياسية لارتباطها بإنجاز عملية التحول الاقتصادي والاجتماعي في الدول التي كانت تتبع التخطيط المركزي، وكذلك ما تستهدفه الخصخصة من تسهيل اندماج الدول النامية في الاقتصاد العالمي، وإعادة هيكلة اقتصاداتها لتتماشى مع نمط وآليات الاقتصاد الحر. وأصبحت الخصخصة من البنود الأساسية التي يتبناها كل من البنك والصندوق الدوليّين كإحدى المعالجات للأوضاع المالية المتدهورة في الدول النامية، إذ تمثل الملكية العامة في الدول النامية نحو 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط، الأمر الذي يدل على أن هناك الكثير من المؤسسات العامة لاتزال في أيدي الحكومات.

ولكن لا يعني تعميم هذا المفهوم أنه ينطبق على كل الحالات، إذ إن لكل حال خصوصيتها، ولا تكون الضغوط الخارجية والتدخلات السياسية سببا في التحول إلى الخصخصة، فيجب أن يكون هذا النهج ناتجا عن اقتناع بأهمية الخصخصة كوسيلة من وسائل التطوير العام للدولة، وعليه فإن الخصخصة لا تكون هدفا في حد ذاته، بل قد يكون رفع كفاءة المؤسسة من خلال إعداد قيادات مؤهلة في إدارتها شبيهة بالقطاع الخاص طريقا أفضل من الخصخصة، بل يمكن أن تحتاج المؤسسة إلى التدريب والتأهيل ليكون سبيلا واضحا في رفع كفاءة المؤسسة.

وقد تصاعدت موجة الدعوة إلى الخصخصة كرد فعل مباشر على التحولات التي طرأت على منظومة الفكر الاقتصادي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، إذ سادت أفكار ضد الحرية الاقتصادية وظهور اتجاه قوي يدعو إلى ضرورة التدخل من قبل الدولة في الحياة الاقتصادية.

حينها ظهر ما عرف بالمدرسة الكنزية الجديدة التي تبنت أطروحات تدخلية من قبل الدولة وتقييد حرية النشاط الاقتصادي الخاص، وهذا مهد إلى ظهور ما يسمى بـ «رأسمالية الدولة»، إلا أنه ونتيجة للتغيرات التي طرأت على الاقتصاد العالمي بدأت تظهر أطروحات تؤكد وتبرر أن السبب الرئيسي للأزمات الاقتصادية الدولية والتوترات في العلاقات التجارية بين الدول يعود إلى السياسات الكنزية وتدخل الدول في صوغ وتوجيه النشاطات الاقتصادية الذي كان السبب في زيادة العجز في الموازنات العامة للدول، وسيادة مظاهر الركود والتضخم والبطالة وهذا دليل على فشل السياسات الكنزية الجديدة في معالجة الأزمة الاقتصادية التي أصبحت أزمة مزدوجة (أزمة التضخم الركودي) التي بدأت تتفاقم منذ عقد السبعينات من القرن الماضي.

في بداية عقد الثمانينات ظهرت تيارات جديدة تدعو إلى مناهضة تلك الكنزية وتزامنت هذه الدعوات مع سياسات البروسترويكا التي بدأ الاتحاد السوفياتي السابق في تبنيها في العام 1985. وعند انهيار الاتحاد السوفياتي انهارت منظومة الفكر الماركسي وبالتالي أصبحت هناك منظومة فكرية واحدة هي «منظومة الفكر الرأسمالي»، ومضمون هذا الفكر انعكس في أطروحات «مدرسة اقتصاديات العرض»، التي ترى ضرورة تحجيم دور الدولة والقطاع العام وزيادة دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، وبدأت هذه الدعوات تأخذ أبعادا عملية مع تولي حزب المحافظين الحكم في بريطانيا وكذلك فوز الجمهوريين في الولايات المتحدة بتولي ريغان الرئاسة، وقرروا تبني سياسة ليبرالية جديدة ساهم وبشكل كبير في صوغها المستشار الاقتصادي للرئيس ريغان (فريدمان) وأدت هذه السياسة إلى شيوع مصطلح الخصخصة التي تعبر عن المحتوى الحقيقي لأطروحات مدرسة اقتصاديات العرض والطلب.

وترى هذه المدرسة أن الأزمة التي يعاني منها النظام الاقتصادي الرأسمالي هي أن النظام لا ينطوي على عيوب، وإنما العيوب تكمن في السياسات والممارسات التقييدية التي تحول دون عمل قوانين الاقتصاد الحر وكذلك التدخل الحكومي من خلال القطاع العام، لذلك ترى في الحرية الاقتصادية الكفيل الوحيد بتصحيح كل الاختلالات داخل النظام الرأسمالي والخروج من أزماته مقابل تحييد دور الدولة وتقليص دورها في النشاط الاقتصادي.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1644 - الأربعاء 07 مارس 2007م الموافق 17 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً