العدد 1644 - الأربعاء 07 مارس 2007م الموافق 17 صفر 1428هـ

ينعقد المؤتمر أم لا ينعقد؟!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

على رغم إيماني وتمسكي الشديد بالاعتقاد بأن إقامة المؤتمر الدستوري أو عدمها لا يمكن أن تشكل أي تهديد على موقع ووضع الأزمة الدستورية المعاصرة من تاريخ البحرين، كما أنني لا أختلف بشكل جوهري مع الأقوال المنادية بعقد المؤتمر الدستوري ولو لم يكن لعقد وتنظيم مثل هذا المؤتمر أي جدوى حقيقي وأثر واقعي ملموس على مسار الحراك السياسي الوطني للمطالبة بتلك التعديلات الدستورية اللازمة، إذ إن مجرد فكرة العقد وحدها ولو أنها لم تخرج من مبارحة أفقها الرمزي المنظور قيمة عملية ولو أنها كانت قيمة شكلية، فهي على الأقل تساهم ولو ظاهريا في تجلية هذه الأزمة علنيا وتنادي بتوحيد الجهود النخبوية وسبل التحريك والتوعية الشعبية بحساسية ومفصلية مثل هذه القضية.

كما أنها تساهم ولو بشكل تراكمي قد يؤتي أكله بعد عقد أو عقدين أو حتى ثلاثة عقود في تنشيط الحياة والحراك السياسي المتوافق وطنيا وتنعش الوعي المحرك لمثل تلك التحركات المطلبية.

ولعل ما يمنح قضية التعديلات الدستورية موقعها البارز ضمن المطالب الوطنية التي تتبناها قوى مختلف قوى وأطياف المعارضة البحرينية الإصلاحية هو ما تتمتع به من أهمية وجودية ومحورية لا يمكن أن يتم التنكر بها على حساب أي وعي منفتح ومطلع على التفاصيل الحقيقية لخريطة وهيكلية العمل السياسي الوطني المتعددة المفاتيح في كشفها لحسابات القوة والضعف والتكافؤ بين مختلف الأطراف والسلطات القيادية والمحركة، إذ تظل للأسف في ظل الواقعية الدستورية الحالية المتأزمة الحسابات التطورية والنهوضية للسلطة التشريعية جامدة ومتأخرة في ممارسة سلطات وصلاحيات مستقلة وحقيقية ذات أثر فعلي تعقبها الجدية في علاج الأزمات التي تعاني منها البلاد ويذوق أذاها العباد حاليا، كأزمة شح الأراضي والإسكان والعدالة في توزيع الثروات الوطنية وتحسين الأوضاع المعيشية وغيرها، وهو بالتالي ما يؤثر بشكل خطير وعلى المدى البعيد في حال تراكم تلك الأزمات واستعصائها على الحل أو التقوض على موقع السلطة التشريعية البرلمانية إذ المفترض أنها ممثلة شعبيا ضمن محيط الإيمان والتقدير والثقة الشعبية بجدوى التجربة الإصلاحية وفعاليتها المشروعة، بالإضافة إلى جدية السلطة القائمة عليها في تنفيذ الإصلاح وإعادة ترتيب ومعالجة الأوضاع الممكنة لتتواكب مع أبسط شروطه الموضوعية.

لذلك فإنه ما كان لأحد أن يتجرأ أو يتجاسر على إخراج المطالبة بالتعديلات الدستورية الجوهرية من أية زاوية وطنية نظرا إلى كونها تصب منطقيا في مصلحة ديمومة المشروع الإصلاحي وتطوره المنظور، وبث عناصر الانتعاش في مفاصله، بالإضافة إلى الحيلولة دون تجويفه وسلخه من مضامينه الحقيقية السامية المشرعة لاستمراريته وبقائه.

كما لا يمكن أن يتم حكر وحصر هذه المطالبة الوطنية، وأعني بها التعديلات الدستورية في أضيق ناحية سياسية لتنهض بها قوى أيديولوجية أو طائفية وفئوية متمصلحة، بل هي مطالبة لا يمكن لها أن تكتمل وتتمكن فتتحقق دونما تكامل أطراف المعادلة السياسية الشاملة، ومن دون أن يكون لقوى الموالاة والسلطة حضور حقيقي وفاعل في المبادرة الإيجابية لحل الإشكال الدستوري القائم وإكساب الوضع السياسي القائم صفته الشرعية اللازمة، وبالتالي فإن وجود ومشاركة جميع الأطراف في هذه العملية التوافقية الإصلاحية والمفترض أن تكون ذات أطر وطنية جامعة هو حاجة ماسة لتحقق تلك المطالب الوطنية التي تروم تحقيق المصلحة الوطنية الجامعة، وإن مجرد الكلام عن تعديلات دستورية وحلول من طرف واحد هو قول سفيه وحجاج عقيم. وإن جاء ترحيبنا بالمطالبات الإيجابية التي يرفعها الإخوة في كتلة «الأصالة» بالبرلمان عن ضرورة إجراء تعديلات ماسة في اللائحة الداخلية تتيح لأعضاء البرلمان التوسيع من نطاق ممارسة واجباتهم وسلطاتهم وصلاحياتهم الوظيفية وتحقق بالتالي في أدائهم شيئا من المرونة المبتغاة في التعامل مع ركام من ملفات الأزمات الطارئة والمستعجلة والعالقة المتأزمة، فإن تلك المطالبات إن فهمت لحسن نياتها وعمق مسئولياتها الجدية في ترقية ورفع مستوى الأداء البرلماني لا يمكن لها أن تشذ وتخرج عن مطالب التعديلات الدستورية الأكثر عمقا وبعدا ذات الامتداد الجوهري.

وإن كان من ضرورة يستلزم التنبيه إليها في مثل هذا الصدد فهي وكما أن المطالبة بالتعديلات الدستورية تأتي لإسباغ وتعزيز الشرعية الشعبية للوضع السياسي القائم حاليا، وكما هي تنادي بالنهوض بدور واستقلالية وفعالية السلطة التشريعية الرقابية والإجرائية، وتأتي لغاية التأكد من جدوى المشروع الإصلاحي والتساؤل عن مستقبله وجدية السلطة ووضوحها في الانطلاق به لتحقيق أهدافه المرسومة له، فإن التعديلات الدستورية وبالمثل تأتي كدعوى للطمأنة والمطالبة بضمانات حقيقية ملموسة لإزالة أبرز العوائق المعترضة لسبيل ومسار العملية الإصلاحية ومحاولات التطور السياسي المستقبلي.

كما أنها تشكل مفتاحا أساسيا في خريطة طريق مأمولة لرسم آفاق منظورة وتحديد خطوات مرحلية واضحة لتحولات الصيرورة الديمقراطية وتحقيق التطور والإنماء السياسي المتواصل حاضرا ومستقبلا، وهي بالتالي مطالب مشروعة تقتضي أولا تحقيق التوافق الوطني وتذهب إلى رسم المزيد من جسور التقريب وخطوط الثقة بين قوى المعارضة الإصلاحية مع الأطراف الأخرى ضمن «اللعبة السياسية» الواقعية، التي لا يمكن إنكار وتحجيم ثقلها الشعبي ووجودها الجماهيري وانعكاس تأثيرها مجتمعيا.

كل تلك التعريفات الضرورية لهذه المطالب الوطنية الأساسية كان وجودها ضروريا عسى ألا يحتكم تفسيرها إلى آليات طائفية معجمية ترى في مطالب الأمن والاستقرار والسلم الأهلي مطالب سنية، في حين تظل مطالب الحرية والانفتاح والشفافية والعدالة الاجتماعية والعمل ضمن قائمة المطالب الشيعية، وبين كلا شطي وثقلي المطالب قوارب نخبوية وليبرالية يسارية طافية وتائهة، وحتى لا يكون الحصار «المقونن» و»المدستر» هو نصيب أية جماعة أو فئة أو كتلة تجد نفسها وتسربت من صفوف التوافق المطلبي الوطني ومن مدارج القضايا الرئيسية والساحات الشعبية العامة إلى ردهات و «لوبيات» المفاوضات الأحادية المعزولة لكل جماعة وكتلة وفئة على حدة، تمهيدا لتصفية ركام القضايا المتهالكة، ولاختصار مشروعيتها في محاصصات سلطوية وظيفية توزع هنا وهناك، وقوائم مطالبات وابتزازات وظيفية عابرة لوزارات ومؤسسات الدولة.

من سخرية القدر وهزلية الوضع الحالي أن تكون المطالبات بالتعديلات الدستورية ذات أفق يمضي إلى الوراء نحو سبعينيات القرن الماضي حينما كان الوضع السياسي على صعيد السلطات والحريات أكثر إيجابية ورحابة من الوضع الحالي وهو ما يعطي تلك المطالبات إلحاحا عاجلا ومبررا لحفظ ماء الوجه السياسي والشرعي، ولتنظيم تلك المؤتمرات الوطنية المطالبة بالتعديلات الدستورية وإن كان حال هذه المؤتمرات وحال القائمين عليها كحال القمم العربية (لا قدر الله) في قصائد الشاعر العراقي مظفر النواب (شفاه الله) والذي استلهمنا عنوان هذا المقال من إحدى قصائده الشهيرة!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1644 - الأربعاء 07 مارس 2007م الموافق 17 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً