العدد 1641 - الأحد 04 مارس 2007م الموافق 14 صفر 1428هـ

«عجيبة الأطلنطي»... المعبر المسيحي للإليزيه

سانت ميشال (فرنسا) - هادي يحمد 

04 مارس 2007

على رغم الطبيعة العلمانية للجمهورية الفرنسية؛ فإن العقود الأخيرة أظهرت حاجة السياسيين الفرنسيين إلى العودة إلى أعماق فرنسا المسيحية للولوج إلى قلوب شريحة غير قليلة من الناخبين الفرنسيين.

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية فإن جزيرة مونت سانت ميشال الواقعة على الساحل النورمندي في الشمال الغربي لفرنسا عادت للظهور من جديد في الإعلام الفرنسي باعتبارها المعبر «المسيحي» للمرشحين نحو الإليزيه بما تمثله من رمز تاريخي ديني هام.

ويقول مراسل إسلام أون لاين.نت: مازال الفرنسيون يتذكرون جيدا الزيارة التاريخية التي قام بها رئيسهم الراحل فرانسوا ميتران إلى هذا المعلم التاريخي مباشرة بعد انتخابه العام 1981 وتلاها بعد ذلك الرئيس جاك شيراك الذي بدأ حملته للرئاسيات العام 2002 بزيارة إلى أعالي «مونت سانت ميشال».

ساركوزي يحج!

أما «نيكولا ساركوزي» المرشح القوي لليمين الحاكم في الانتخابات المقبلة فقد اختار «مونت سانت ميشال» كأول مكان يزوره في فرنسا مباشرة بعد انتخابه من قبل حزبه، إذ وقف «ساركوزي» في يناير/كانون الثاني الماضي على مدارج المدينة وقال: إن «مونت سانت ميشال تمثل فرنسا الخالدة ورمز التقاء فرنسا الأخلاق الدينية بالأخلاق العلمانية».

وأضاف ساركوزي «حينما يريد أحد أن يكون رئيسا فيجب أن يتحدث إلى كل الفرنسيين بما فيهم الذين يمثلون (فرنسا المسيحية)، في إشارة إلى الكثير من الفرنسيين الذين يمثل لهم الدين مكانة مهمة».

وفي إطار حملتهم الانتخابية يخطط قسم آخر من مرشحي الرئاسة لزيارة «عجيبة الأطلنطي» أو «فاتيكان بلاد الأنوار» كما يطلق عليها.

شوارع المدينة الضيقة يزورها خليط من السياح الذين يريدون استحضار صور شوارع القرون الوسطى، وآخرون جاؤوا من أقاصي فرنسا لم تعد تقنعهم كثيرا المبادئ العلمانية «اللادينية»، فجاءوا يطرقون بقايا بيوت الرهبان يبحثون عن الروحانيات في واقع فرنسي أصبحت فيه الكنائس مزارا سياحيا لا أكثر ولا أقل. وتستقبل «مونت سانت ميشال» سنويا نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون سائح، وتأتي في المرتبة الثانية سنويا من حيث الزيارة بعد برج إيفل في العاصمة باريس، وتمثل في الوقت ذاته مزارا للحجاج المسيحيين الفرنسيين.

وتكمن ميزة «مونت سانت ميشال» في أنها تقع على جزيرة صغيرة على ساحل الأطلنطي تتصل بالساحل بطريق مصطنع عادة ما تغمره المياه، وبنيت المدينة على صخرة بحرية، ويمثل حجر الجرانيت البركاني ميزة لجدرانها وكنائسها وطرقاتها المعبدة.

ويقول»برنار برباي» أحد المسئولين السياحيين بالمدينة لإسلام أون لاين.نت: «إنها إحدى عجائب الغرب التي صمدت لمدة قرون، ليس أمام العواصف والأمواج الأطلنطية العاتية فحسب بل أيضا أمام موجات الغزو المتعددة التي أرادت اقتحام المدينة من قبل الشعوب النورماندية والبريطانية».

وبنيت مدينة «مونت سانت ميشال» العام 709 ميلادية وخصصت في البداية للرهبنة بمبادرة من دوق النورماندي، وتحولت «مونت سانت ميشال» في فترة حرب المائة عام التي عاشتها فرنسا إلى ما يشبه القلعة بأسوار عالية وبوابات حديدية وأبراج دفاعية، و برزت في القرون الوسطى كمركز حج للمسيحية الكاثوليكية يأتيها الحجيج من أطراف فرنسا و الشمال الأوربي، ومنذ العام 1984 صنفت «مونت سانت ميشال» من قبل اليونسكو على كونها أحد مراكز «التراث العالمي».

مسحة أندلسية

وتقود مدارج المدينة التي تُشَبَّه في الأدبيات الغربية «بأورشليم الغرب» (القدس) إلى «الابيا» أو «بيت الرهبنة» الذي تصل سعته إلى «ستمائة راهب يعيشون في مركب كنسي يقع في قمة المدينة التي تعلوها صومعة الكنيسة كما تتوسط بيت الرهبنة حديقة تشبه إلى حد كبير حديقة قصر الحمراء بالأندلس. ولا ينفي المرشد السياحي لبيت رهبان «مونت سانت ميشال» أن تكون هندسة الحدائق والجدران والغرف قد أضيفت إليها زينة وإضافات تشمل أقواسا وأبواب مستوحاة أيضا من هندسة تعود إلى العصر الإسلامي في الأندلس، إذ أثبت المؤرخون العلاقات الوطيدة بين دوق (حاكم) مقاطعة البروتون بشمال فرنسا حينها بالأمراء المسلمين بالأندلس.

ويقول «برنار برباي»: «منذ آلاف السنين توافد الحجيج إلى مونت سانت ميشال حاملين معهم العطايا للرهبان والمسئولين عن المدينة، وسميت الطرق المؤدية إلى مونت سانت ميشال «بطرق الجنة».

وظلت «مونت سانت ميشال» محط الحجاج المسيحيين في الغرب حتى قيام الثورة الفرنسية العام 1789 حينما ألغت دورها الكنسي وعن قادة الثورة «بيت الرهبان» إلى سجن كبير.

ولم تستعد «مونت سانت ميشال» دورها الديني إلا العام 1864 غير أن «بيت الرهبنة» لم يعد ليمارس دوره إلا العام 1964.

العدد 1641 - الأحد 04 مارس 2007م الموافق 14 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً