العدد 1641 - الأحد 04 مارس 2007م الموافق 14 صفر 1428هـ

عندما تشكل العدالة عقبة

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

نرى اليوم بيئة مواتية جدا لصنع السلام، بيئة أفضل بكثير من تلك التي كانت في زمن عمليات السلام في مدريد التي باءت بالفشل والانهيار من جراء سفك الدماء والبؤس اللذان كانا جزءا لا يتجزء من هذا الفشل.

ولاشك أن جميع الأطراف المعنية تتهافت على الاستفادة من هذه البيئة، وهي دوامة دبلوماسية ظهرت فجأة.

ومع اقتراب نهاية فترة حكم إدارة بوش، فالأمل ضعيف فيما يتعلق باحتواء كتب التاريخ لأي انجاز عظيم يحققه الرئيس جورج بوش وفريقه. إن الإنجاز الوحيد الذي بمكن تحقيقه خلال مدة سنتين من اليوم، ونظرا لكون الكثير قد تحقق فعلا في اوسلو ومدريد، هو إقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلت العام 1967 عاصمتها القدس.

إن لهذا فرصة كبيرة بالنجاح، وذلك لأن بوش هو في حاجة ماسة إليه، فيما يدرك الفلسطينيون أن أي حزب يفوز في الانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة سينشغل في أمور عدة ويضعها على سلم الأولويات، مثال ذلك اقتصاد البلد والعراق وأفغانستان وحقيقة الوجود القوي والقائم للقاعدة واستعدادها التام للعمل. فإذا لم يتم تأسيس دولة فلسطينية فبل موعد انتهاء ولاية بوش، ستطول الفترة لحين النهوض بعملية سلام حقيقية. الوقت لا ينتظر لأن الحياة تحت احتلال هي جحيم.

وعلى الجبهة الإسرائيلية، الحزب الحاكم (كاديما) فقد غرضه ووجوده عندما انهار مشروع الانسحاب الاحادي الجانب. ليس له خيار سوى المضي للتوصل إلى حل ناجع أو أن يودع مستقبله السياسي. هذا وقد بينت استطلاعات الرأي أن 78 في المئة من الإسرائيليين لا يؤيدون حكومتهم.

في الوقت الراهن، وأخيرا أدرك المجتمع الدولي أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يبقى الأزمة الكبرى التي تغذي وتعزز الانقسام بين العالم الإسلامي والغرب، بما في ذلك العلاقات الداخلية بين المجتمعات في أوروبا وغيرها.

لهذا تتهافت جميع الأطراف إلى حل. في الحقيقة، من المحتمل التوصل إلى حل خلال العامين المقبلين إذا بدأ الطرفان من النقطة التي انتهت بها مدريد وسلكوا الطريق الذي رسمته خريطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية، وطبعا إذا كان هناك ما يكفي من الإرادة والشجاعة لاتخاذ القرارات الصحيحة من الجانبين.

وفيما تشكل القدس قضية من أهم القضايا الرئيسية على جدول أعمال للوضع النهائي لأي اتفاق، ولاسيما عندما تنشغل «إسرائيل» في تغيير الواقع على الأرض التي تشمل المشروع الأخير لبناء كنيس وإسكان في القطاع المسلم للبلدة القديمة (مشروع زهور بوابة التنمية)، بالإضافة إلى اجراء الحفريات حول الحرم القدسي الشريف، تبقى قضية اللاجئين الأكثر تعقيدا في صنع السلام.

أي حل لهذه المشكلة يجب ان يكون عادلا. ليس لأي طرف الحق في ان يحرم ستة ملايين لاجئ فلسطيني (بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في «إسرائيل») من الحقوق الثابتة كما هو منصوص عليه في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194 وقرار مجلس الأمن 237.

ليس من المقبول أيضا الإعلان أن مشاعر «إسرائيل» وإرادتها هي السائدة من دون الأخذ في الاعتبار القبول الفلسطيني، إذ إن «إسرائيل» هي السبب في خلق مشكلة اللاجئين. وفي الحقيقة، ما لم يقبل اللاجئون الفلسطينيون بحل نهائي، لن يسود السلام حتى لو توصل السياسيون من كلا الطرفين إلى اتفاق حل نهائي.

يضاف إلى ذلك أنه لا ينبغي أو يمكن لأي طرف فرض «القبول» على الفلسطينيين، كما أنه لا يجب على أي حزب غير الحزب اللاواقعي في «إسرائيل» والولايات المتحدة أن يعزز هذه الفكرة.

إن المبادرة السعودية التي تم تبنيها بالإجماع من الدول العربية هي خطوة لبناء الثقة اتخذتها الدول العربية، وأما الإسرائيليون جميعا فقد نظروا إلى هذه الخطوة وكأنها بحر معاد ينتظر أن يبتلع الدولة اليهودية الصغيرة. فقد نبهت هذه المبادرة المتطرفين في «إسرائيل» من الوقوع في تلك الكذبة مرة ثانية.

المبادرة لم تكن اتفاقا بشأن الوضع النهائي بين فلسطين و»إسرائيل» والذي كان من المتوقع أن تصدق عليه «إسرائيل» بأي طريقة. فهو مجرد خطة واضحة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في حين تم التوصل إلى اتفاق حل نهائي وتم نشر الرسالة بين الرأي العام الإسرائيلي والعالم القائلة إن الدول العربية ستعترف بـ»إسرائيل» بعد انهاء الاحتلال.

ويترتب على ذلك إزاحة المبادرة لعقبة كبيرة في وجه التوصل إلى سلام دائم، وهناك الكثيرون في «إسرائيل» ممن يحملون الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مسئولية الفشل في إدراك أن تبني جامعة الدول العربية للمبادرة هي عمل تاريخي بالنسبة للعرب لأنه يزيد من إمكان التوصل إلى سلام.

إن التوقع من الدول العربية بيع حقوق الفلسطينيين وفرض «حل غير عادل» هو أمر مضحك وخيالي. فإن مهمة الدول العربية والتي هي شبيهة بمهمة المجتمع الدولي هي تهيئة الأجواء وجعلها موائمة للسلام وبالتالي إتاحة الفرصة الحقيقية للإسرائيليين والفلسطينيين. وفي الوقت الراهن، يدرك الفلسطينيون خطورة الأمر وتعقده آخذين بعين الاعتبار مخاوف «إسرائيل»، وبالتالي فهم على استعداد للمشاركة في البحث عن حل مقبول لدى الطرفين.

ولسوء الحظ، الإسرائيليون الذين يرون في عبارة «حق العودة» ومفهوم «حل عادل» زوال وموت دولة «إسرائيل» من خلال «سلاح التغيير الديمغرافي» لم يستعدوا أبدا للدخول والمشاركة في أي شيء أقل من إعلان صادر عن جانب القيادة الفلسطينية أنه لا حق عودة لللاجئين وهي مهمة مستحيلة.

ولصب الزيت على النار، ثمة الكثير من السياسيين في «إسرائيل» يؤيدون «ضرورة» تقليص عدد غير اليهود في «إسرائيل» ( مليون عربي مسلم ومسيحي هم مواطنون إسرائيليون) كجزء من الحل النهائي. ونحن لا نتكلم عن أولئك المجانين الذين ينادون بتهجير قسري آخر يشمل إرسال فلسطينيين من الأراضي المحتلة العام 1967 إلى هاوية اللاجئين.

لا يمكن ان يكون هناك سلام دائم نتيجة الظلم إلا إذا كان هناك حل عادل حتى لو اشتمل على تضحيات من الجانبين.

الإسرائيليون بحاجة إلى أن يعرفوا أن هناك «حلا لمشكلة اللاجئين»، فالفلسطينيون كذلك هم بحاجة أيضا. فهي مسئولية «إسرائيل» أن تسعى إلى ايجاد «حل عادل» بقدر ما هي مسئولية فلسطينية بدعم من حلفائهم العرب والمجتمع الدولي. لكن جوهر صناع القرار يتعين على «إسرائيل» وفلسطين والباقي هناك لتقديم الدعم فقط. لذلك، فإن فكرة تقديم الفلسطينيين والعرب حلا مقبولا لـ «إسرائيل» هو إيحاء بأن «إسرائيل» لا تحتاج أو تسعى وراء السلام.

أخيرا، أود تقديم اقتراحي. لطالما كانت السعودية والدول العربية والمجتمع الدولي على استعداد لمساعدة الفلسطينيين فى بناء الهياكل الأساسية للمستقبل. لذلك ليس هذا هو جوهر المشكلة كما أن هذه المعونة هي ليست جوهر أي حل، بغظ النظر عن مدى حاجتنا الماسة نحن إليها. يجب على «إسرائيل» وفلسطين أن لا تضيعان هذه الفرصة من أجل السلام الدائم، فهذه الفرصة هي خيار في أيديهم وحدهم يمكنهم التحكم فيه.

جوهر الحل، في الواقع، يكمن في إعلان «إسرائيل» عن مسئولياتها التاريخية في خلق مشكلة اللاجئين، ويمكنها البدء بعد قبولها لقرارات الأمم المتحدة بشأن هذه القضية، والتي تتفق الآراء في العالم حولها.

على كل حال، «إسرائيل» انشئت نتيجة لقرارات الأمم المتحدة والفلسطينيون قبلوا بالشرعية الدولية، وهي أساس اعترافهم بـ»إسرائيل» على رغم أنها تقع على الغالبية العظمى من أراضيها التاريخية. وبعد ذلك، «إسرائيل» يجب أن تدخل فورا في مفاوضات مباشرة مع القيادة الفلسطينية للتوصل إلى حل يمكن للجانبين العيش معه وأن يضمن السلام الحقيقي لأنه في نهاية المطاف سيكون «حلا عادلا»، ولن يباع حل من نوع آخر للجمهور. وما لم يتم حلها، قد لا يكون هناك حل لأزمات أخرى بما في ذلك العراق.

* كاتب وصحافي ومستشار الاتصالات الاستراتيجية (إدارة المعرفة)، يكتب مقال أسبوعي لغازيت السعودية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1641 - الأحد 04 مارس 2007م الموافق 14 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً