أصدر الرئيس بشار الاسد مرسوما رئاسيا حدد فيه الثاني من مارس/آذار المقبل موعدا لإجراء انتخاب اعضاء مجلس الشعب للدور التشريعي الثامن.
أثار المرسوم الرئاسي، الذي خلا من اي تعديل او تطوير في قانون الانتخابات، سؤالا عن مدى صلاحية هذا القانون الذي وضع منذ حوالي ثلاثين عاما، والذي مورس في الواقع بتحويل عملية الانتخاب من انتخاب اعضاء مجلس الشعب إلى انتخاب ثلث اعضاء المجلس فقط. فقد خصص للاحزاب المنضوية في اطار الجبهة الوطنية التقدمية (تحالف بين الحزب الحاكم و7 احزاب هامشية) ثلثي مقاعد المجلس (167 مقعدا من اصل 250 مقعدا في الدور التشريعي السابق) وزعت على الشكل الآتي: 135 مقعدا لحزب البعث، 8 مقاعد للحزب الشيوعي بجناحيه (بكداش، فيصل)، 7 مقاعد لحزب الاتحاد الاشتراكي، 7 مقاعد للحزب الوحدوي العربي، 4 مقاعد للحزب الوحدوي العربي الديمقراطي، 6 مقاعد لحزب الاشتراكيين العرب، وتركت بقية مقاعد المجلس الـ 83 لبقية المواطنين (لحوالي 6 ملايين نسمة) يتنافسون عليها.
لقد نظر إلى هذا القانون عند وضعه في بداية سبعينات القرن الماضي بإيجابية باعتباره مؤشرا على انفراج في الحياة السياسية السورية، بعد فترة انفرد فيها حزب البعث الحاكم بالامساك بالسلطات الثلاث، وتطويرا للحياة السياسية وخطوة على طريق اقرار حياة ديمقراطية سليمة تفتح الحقل السياسي امام الخيارات السياسية والبرامج الاقتصادية والاجتماعية، بإطلاق الحريات السياسية والسماح بقيام تعددية حزبية وصحافة حرة واجراء انتخابات شفافة ونزيهة يختار فيها الشعب ممثليه في المجلس. غير ان استمرار هذا القانون كل هذه السنين حوّله إلى قيد يحد من حرية المواطنين في اختيار ممثليهم في مجلس الشعب التي ضمنها لهم الدستور، زاد الاوضاع سوءا اعتماد السياسة الامنية وما افرزته من سيطرة على المجتمع ومن تنميط لرد فعل المواطنين والتحكم في سلوكهم السياسي، وهذا حوّل الانتخابات إلى عملية عبثية بعد ان دخلت عملية الترشيح في احزاب الجبهة في نفق المساومات الحزبية والمالية، وخضعت عملية التصويت للقسر والإكراه بإلزام المواطنين بالتصويت لقائمة الجبهة الوطنية التقدمية. تجرى عملية التصويت بتسليم المصوّت ورقة طبعت عليها اسماء مترشحي الجبهة وترك فيها فراغ ليقوم المصوّت بكتابة اسماء المستقلين الذين يختارهم لإكمال القائمة المحددة في دائرته الانتخابية، نسبة المستقلين 30 في المئة في كل دائرة، اي ان المصوت يصوت عمليا لـ 30 في المئة من اعضاء مجلس الشعب فقط.
كان مأمولا، في ظل سياسة التطوير والتحديث، إحداث نقلة في عملية الانتخاب في مجال الترشيح مثل فتح مجال الترشح امام المواطنين وتجاوز القسمة غير المتسقة مع المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية (51 في المئة للعمال والفلاحين و49 في المئة لبقية فئات الشعب) او وضع شروط علمية وثقافية واخلاقية في المترشح، واشتراط قبول ترشيح اعضاء احزاب الجبهة بإجراء انتخابات علنية (بحضور الإعلام والمراقبين) داخل هذه الاحزاب لاختيار مرشحيها للمجلس، كيلا تكون عملية اختيار مترشحي هذه الاحزاب بيد امناء عامين، هذه الاحزاب يستخدمونها في ضبط ايقاع تطورات القاعدة الحزبية وشراء المحاسيب والأزلام. وشروط لعملية التصويت بإلغاء الزام المواطنين بالتصويت لقائمة الجبهة بفتح مجال الاختيار امام المواطنين لاختيار قائمة كاملة من بين المترشحين في دوائرهم الانتخابية، والسماح بتشكيل قوائم متنافسة... الخ.
إن بقاء قانون الانتخابات بصيغته القائمة وعملية الترشيح والتصويت بالطريقة السائدة يعني ان التطوير، والتحديث لا يتم بطريقة تتسق مع استحقاقات داخلية سياسية واقتصادية واجتماعية، وان ثمة فجوة واسعة بين وعود التطوير والتحديث، والخطوات العملية التي تتم على الأرض، وهذا يشير بوضوح إلى ان عملية التطوير والتحديث مرتبطة باعتبارات ذاتية /حزبية/ مصلحية لا باعتبارات موضوعية، اذ لا يعقل ان يكون الواقع السياسي الاقتصادي الاجتماعي الثقافي قد توقف عن التطور وان القانون الذي مرّ عليه حوالي 3 عقود مازال صالحا للتعاطي مع هذا الواقع، وهذا يتعارض مع سياسة التطوير والتحديث المعتمدة من النظام، او ألا يكون للمتغيرات التي حصلت وزنها وحضورها في السياسات والاجراءات العملية المتخذة.
ثم ألا يقود هذا التعاطي السلبي مع المتغيرات والاستحقاقات الواقعية ومع المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تطالب بها القوى السياسية والاجتماعية السورية إلى سيادة الشك والريبة بوعود التطوير والتحديث وسيادة حال احباط واحتقان اجتماعي/سياسي بلادنا ليست في حاجة اليهما.
يستطيع النظام التدارك واحتواء الانتقادات بإصدار قانون جديد يستجيب للاستحقاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية يبدأ سريانه في الدور التشريعي التاسع العام 2007
العدد 164 - الأحد 16 فبراير 2003م الموافق 14 ذي الحجة 1423هـ