العدد 1637 - الأربعاء 28 فبراير 2007م الموافق 10 صفر 1428هـ

على رغم رحيله... سيظل الجمري حاضرا في كل زوايا الوطن

عبدالرحمن النعيمي comments [at] alwasatnews.com

بسم الله الرحمن الرحيم «مِنَ المُؤمِنِينَ رجالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيه، فَمِنهُم مَن قَضَى نَحبَه، وَمِنهُم مَن يَنتَظِر، وَمَا بَدَّلُوا تَبدِيلا». صدق الله العظيم (الأحزاب: 23).

هناك أناس يعيشون بيننا، ولكنهم أموات يتحركون، وهناك أناس يرحلون عنا، يُغَيّبهم الموت، فيستمر حضورهم ويتصاعد في اللحظات والمحطات التاريخية، ويتذكرهم كل الناس. إنهم رجالٌ من طراز سماحة الشيخ المرحوم فقيد الوطن، عبدالأمير الجمري طيب الله ثراه.

في المنعطفات التي مر بها الوطن، ومنذ أن عدنا إلى أرض الوطن في 28 فبراير/ شباط العام 2001، كان الجمري قبلها وبعدها حاضرا في زوايا الوطن، في كل قضية من قضاياه الكبرى.

في اللحظات التي أرادها رجالات أمن الدولة أن تكون المعركة طائفية، مقتصرة على الشيعة، يساومونه على نبذ العلاقة مع الوطنيين والديمقراطيين، كان يردد: «السجن أحب إليّ مما تدعونني إليه». فالوطنيون شركاء مع التيارين الشيعي والسني وكل التيارات السياسية المناضلة؛ من أجل العدالة والمساواة؛ ومن أجل أن يكون الوطن للجميع؛ ومن أجل أن يكون الشعب مصدر السلطات جميعا؛ ومن أجل أن نكون مواطنين لا رعايا.

وعندما غُلّت أيدي الجلادين، واضطر النظام إلى الخروج من الأزمة السياسية التي سببتها سياساته الطائفية والقمعية، بالاستجابة إلى بعض المطالب العادلة التي رفعها شعب البحرين ممثلا في العريضة الشعبية التاريخية، التي ركزت على العفو العام وتبييض السجون والسماح لجميع المبعدين بالعودة إلى البلاد، وإلغاء قانون أمن الدولة ومحكمة أمن الدولة وإعطاء المرأة حقوقها السياسية، وتفعيل الدستور وإعادة الحياة البرلمانية، عندما استجاب الحكم إلى المطالب الثانوية التي هي إفرازٌ للقضية الأساسية: المشاركة الشعبية في صنع القرار، أي تفعيل الدستور وإعادة الحياة البرلمانية، كان الهم الأساسي لفضيلة الشيخ عبدالأمير توحيدَ الصف الإسلامي أولا، وتوحيدَ الصفين الإسلامي والوطني في الوقت ذاته. وكانت خطوته الكبيرة مع الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة هي اللقاء التاريخي في جمعية الإصلاح، بحضور كوكبة من رجال البحرين الذين تصدوا للطائفية وأصروا على وحدة كل المناضلين من أجل حقوق الشعب، وفي مقدمتهم الشيخ عبداللطيف المحمود، الذي لا يمكن أن ننسى أنه أصر على الاستمرار في لجنة العريضة وأن يكون اسمه باستمرار مع رجالاتها، على رغم خلافه اللاحق مع بعض أعضائها، وبالتالي إن الإصرار من قِبل الوطنيين ومعهم الشيخ عبدالأمير الجمري والأستاذ عبدالوهاب حسين والشيخ عبداللطيف المحمود في أن يكونوا حاضرين باستمرار مع إخوانهم الوطنيين الآخرين في كل رسالة توجهها اللجنة إلى الشعب أو الرأي العام الخارجي، كان التعبير الدقيق عن الإيمان بضرورة الوحدة الوطنية، وضرورة وقوف كل شعب البحرين في وجه سياسة زعماء مرحلة أمن الدولة الذين ساروا على خُطى من سبقهم من البريطانيين قبل الاستقلال وبعده بقيادة المرتزق البريطاني إيان هندرسون، الذي لانزال نواصل العمل على تقديمه إلى محاكمة عادلة في أي مكان في العالم، هو والجلادون الذين أراد مرسوم (56) أن يحميهم، في الوقت الذي لا يمكن أن تكون مصالحة وطنية من دون طي تلك الصفحة السوداء من تاريخ البحرين، التي ذهب ضحيتها العشرات من الشهداء والآلاف من المعتقلين والمبعدين، الذين لاتزال الدولة ورجالاتها يتقاذفون ملفات العائدين من مسئول إلى آخر، ويوزعون التصاريح عن مكرمات يقدمونها إلى أبطال لولا تضحياتهم وتضحيات الآلاف من أبناء شعب البحرين لما قدمت السلطة أي تنازل.

إن دولة عاجزة عن حل مشكلة عدة مئات من المناضلين الذين قدموا الكثير من التضحيات خلال مرحلة أمن الدولة هي الدولة نفسها العاجزة عن حل مشكلة السكن ومشكلة الطرقات ومشكلة العاطلين ومشكلة الغلاء الفاحش... إنها حكومة مبدعة في الفساد وتسريب المال العام، وتدمير البيئة وردم السواحل بعد أن اكتشفت أن الأراضي المدفونة أغلى من براميل النفط! إنها الحكومة التي ترفض لعمالها ولمستخدميها تشكيل نقابات للدفاع عن مصالحهم، وهي الحكومة التي تريد خصخصة الماء والكهرباء بعد أن برهنت على أنها عاجزةٌ عن حل مشكلة المياه في الأيام الماضية، وقبلها فضيحة الإثنين الأسود... إنها حكومة الأجور المتدنية... إنها حكومة تحكم على نفسها بالعجز والإفلاس، قبل أن يفتح الناس ملفات التجنيس وحبك المؤامرات لتمزيق الشعب، وغيرها من ملفات يبرهن فيها بعض المسئولين على أن آخر همومهم الوحدة الوطنية وتقدم شعب البحرين وسعادته وتخفيف المعاناة عن أبنائه.

نحن نرفض طأفنة قضايا الوطن؛ لذلك نشارك في تأبين هذا الرجل الكبير، المناضل الراحل، فقيد الوطن الشيخ عبدالأمير الجمري، الذي نرى الحاجة إلى حضوره والتعلم من مواقفه اليوم أكثر من أي يوم آخر... حضوره اليوم لأننا بحاجة ماسة إلى الوحدة الوطنية وضرورة التصدي للحشد والاحتقان والمتاجرة بقضايا الطائفة أو الخوف على الطائفة. إننا - أيها الإخوة - نخاف على الوطن والمواطنين قبل أن نخاف على أي شيء آخر. إن الإنسان أغلى رأس مال... إنه أغلى ما خلق الله على هذه الأرض، ولا يمكن لمخلوق أن يكون أفضلَ من أخيه إلا بما يقدمه من خدمة للوطن ومن خدمة لشعبه؛ وبالتالي يرضي خالقه، فقد أكد رسولنا العظيم مرارا بقوله: «إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق».

نتذكرك يا فقيدَ الوطن هذه الأيام، وتحضرنا بقوة ونحن نشاهد الفيلم الأميركي السلطوي الطويل... التقرير الذي أثار الجدل في البحرين... التجنيس السياسي... الفساد... نهب المال العام... الاستيلاء على السواحل... تدمير البيئة... ضياع بحر البحرين... تزييف الإرادة الشعبية في الانتخابات... من أجل أن يكون مجلس الخدمات البرلماني طائفيا بامتياز ليقول البعض من المتفرجين من أعلى: إن هذا الشعب لا يستحق إلا رموزا طائفية تعرف كيف تُفرق ولا تعرف كيف توحد... وإننا... وإننا... الملتزمين بالفصل بين السلطات نعرف جيدا كيف نفصّل هذا الفصل بين السلطات، ولا يمكن لمثل هؤلاء الذي يديرون الأمور من وراء حجاب أن يخدعونا، أو يجعلونا نتراجع عن مطالب تاريخية لشعبنا، أو يدفعونا إلى الانكفاء عن خدمة شعبنا بالمؤامرات التي حاكوها في الانتخابات... إننا على خطى الرحيل الكبير، نقول: لن نستسلم للدعوات والبرامج والتقارير المثيرة للجدل والعطايا الطائفية... إن شعارنا الأساسي في هذه المرحلة، الذي هو الراية التي رفعها فقيد الوطن... لا للطائفية... نعم للوطن... نعم للوحدة الوطنية.

لقد علمنا الراحل الكبير أن نتمسك بالمبادئ، في الوقت الذي نتمسك بالحوار والطرق السلمية ونبذ العنف، والنفس الطويل، وعدم الاستسلام أو اليأس، أو تحويل المعارك والصراعات الثانوية إلى صراعات ومعارك أساسية، واحترام اختلاف الوطنيين على كيفية مواجهة تكتيك السلطة... وبالتالي إن علينا في كل موقع أن نتحد مع كل من يريد الخير لهذا الشعب، سواءٌ أكان في المعترك السياسي أم النقابي أم البلدي أم الاجتماعي. وهناك الكثير من القضايا التي نتفق عليها، وهناك أيضا ما نختلف عليه، ولكن القضايا الكبرى التي تمس حياة الناس نحن متفقون عليها، وعلينا أن نعمل على تشكيل أوسع جبهة ضد الفقر والطائفية... فلسنا أيها الإخوة بحاجة إلى تجربة بنغلاديش لنعرف أن لدينا عشرات آلاف من الفقراء، ليكتشف عباقرة السلطة ضرورة إنشاء مصرف للفقراء يفكرون كيف يستولون على أمواله قبل أن يوزعوها على الفقراء كما شاهدنا في صندوق التأمينات والتقاعد... ولسنا بحاجة إلى معرفة ما يجري في العراق لنعرف أن هناك متاجرين وجواسيسَ ومأجورين يريدون تأجيج الطائفية وتمزيق الصفوف الشعبية في البحرين.

إننا لا ندعو فقط إخوتنا البرلمانيين الوفاقيين إلى تبني قضايا الناس، بل ندعو كل الكتل النيابية من «المستقلين» إلى «الأصالة» إلى «المنبر الإسلامي» إلى التصدي لهذا الغول الفاحش الذي يلتهم ليس الأجور المتدنية للطبقات الفقيرة وإنما يزحف على كل المستويات الاجتماعية، فالجوع أيها النواب والشوروين كافر... وليس مفيدا توزيع التهم على الفقراء بأنهم مخربون إذا اندلعت ثورة للجياع في هذا البلد... فالسياسة الحكومية الحالية ستؤدي إلى أن تبقى حفنة صغيرة فقط لا تعرف معنى الفقر ولا تعرف معاناة الناس، بل تمعن في النهب والتلاعب بالأسعار... ولا تتردد عن توجيه التهم إلى المطالبين بحقوقهم بأنهم مخربون أو يتسلمون توجيهاتهم من الخارج...

أيها الراحل الكبير نعاهدك أن نكون لكل الوطن... نعاهدك أن نكون متمسكين بالحقوق المشروعة لهذا الشعب... نعاهدك أن يكون الحوار طريقَنا لإقناع كل الحريصين على مصلحة شعبنا بالسير في هذا الطريق... نعاهدك أن نناضل من أجل برلمان حقيقي... دستور حقيقي... مشاركة شعبية حقيقية في صنع القرار.

رحمك الله وأسكنك فسيح جنانه... وما يخفف خسارتنا برحيلك هؤلاء الرجال أبناؤك الذين يسيرون على هديك... ورفاقك وأبناء شعبك الذين عبّروا عن حبهم لما تحمله من حب عميق لهم يوم رحيلك في تلك الليلة الشديدة البرودة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالرحمن النعيمي"

العدد 1637 - الأربعاء 28 فبراير 2007م الموافق 10 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً