خلال ورشة دمج المفاهيم البيئية في برامج وأنشطة رياض الأطفال، التي عقدتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإسيسكو) لفائدة معلمي رياض الأطفال في مملكة البحرين تحت رعاية وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي، الذي يتولى في الوقت ذاته مهمات رئاسة اللجنة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة، قلنا إننا سنقف مع بعض أوراقها وموضوعاتها المهمة، وها هي الوقفة التي تحدثنا عنها.
طُلِبَ منا تقديم ورقة عن مشكلات التربية البيئية في تلك الورشة؛ لكوننا نعمل في مجال العمل التطوعي لنشر الوعي البيئي ونسعى إلى تأسيس العمل البيئي التطوعي في البحرين منذ سنوات بأيامها وبلياليها الطويلة؛ ولأننا نعايش الصعوبات والعقبات والمشكلات كل يوم ونسعى إلى الإسهام في جهود مملكة البحرين لحماية بيئتها من خلال خلق ضمير بيئي لدى الجميع وتحفيز المجتمع بأسره - في أم العيون العذبة التي فقدت عيونها العذبة وتفقد الآن سواحلها وبحارها - بمؤسساته وبأفراده لتغيير أنماط سلوكهم إلى اتجاه الرفق بالبيئة وإدراك أثر أعمالهم وأنشطتهم عليها، واستيعاب معنى الاتزان الحيوي وأهمية المنظومات الحيوية في استمرار حياة الإنسان والحياة عموما على كوكب الأرض، تمهيدا لإقامة علاقة صحيحة مع البيئة وكائناتها البشرية وغير البشرية في مسعى إلى تحقيق مبادئ التنمية المستدامة التي تأخذ حاجتها فقط من الموارد الطبيعية وتراعي حق الأجيال وتعطي للموائل والكائنات الفرصةَ الكافيةَ للتجدد والتعويض، لكل ذلك، نفضل دائما ألا نتحدث عن المشكلات والعقبات بل نتحدث عن التحديات لنلهب حماسنا ونشعر على الدوام بأننا على الطريق الصحيح وأن النجاح ليس ببعيد. لذلك اخترنا للورقة اسم «تحديات تدريس التربية البيئية في مرحلة التعليم ما قبل المدرسي». وهذه هي رسالتي الأولى للجميع، التي أبدأها من العنوان.
التربية البيئية عملية متداخلة في جميع شئون الحياة، ومستمرة تستهدف جميع الناس من دون استثناء بمختلف أطيافهم وأعمارهم وتوجهاتهم، وتهدف إلى إكسابهم نمط سلوك واعٍ بتأثيراته على البيئة وثرواتها الطبيعية واتزانها الحيوي وسلامتها وصحتها وتأثير ذلك بدوره على الإنسان كائنا حيا ضمن المنظومة الحيوية. كي يتحقق ذلك، فلابد من اكتساب الإنسان لمعرفة بمكونات البيئة وأهميتها وحساسيتها ووعي بتأثير أفعاله فيها يتحول إلى قناعات بأهمية الحفاظ عليها، ومبادئ وقيم تحكم علاقة الإنسان بالبيئة وبأحيائها تنعكس على سلوكاته بشكل مستمر ودائم ومتكرر بحيث يصبح السلوك صديق البيئة طبعا من طباعه ونمطا من أنماط سلوكه اليومي، فتراه يمتنع عن تلويث البيئة أو إيذائها بشكل تلقائي ويلجأ إلى الخيارات الصديقة للبيئة في مشترياته كالأطعمة الأقل تغليفا والكتب المصنوعة من أوراق معاد تصنيعها والأجهزة التي تعمل على الطاقة النظيفة أو الأقل تلويثا. يعمل ذلك كله من دون أن يحتاج إلى الاستماع إلى محاضرة أو جلسة إقناع وأخذ ورد بهذا الشأن.
كي يتحقق ذلك فلابد للمجتمعات أو البيئات البشرية المحيطة أن تكون معززة لتلك التربية البيئية سائرة على نهجها مقومة للسلوك الخارج عليها ومشجعة للاستمرار فيها.
بالنسبة إلى الطفل، تلك البيئات تشمل مكان وزملاء المؤسسة التعليمية النظامية (الروضة) أو النادي أو الجيران أو الأسرة أو العائلة الممتدة أو الناس في الشارع وسلوكاتهم. تبدأ ببيئات من الممكن التحكم في معظم متغيراتها إلى بيئات تصعب فيها الإمكان إلى بيئات يقترب التحكم فيها من غير الممكن.
من هنا تبرز أهم التحديات، فالطفل ينشأ في الغالب في أسرة إن لم تكن جاهلة بيئيا فهي على الأقل لم تتربَ بيئيا ولا تستطيع أن تربيه تربية بيئية. ويسوء الأمر حين يخرج إلى الشارع بممارسات الآخرين الكثيرة الخاطئة بيئيا كرمي النفايات من نوافذ السيارات والتدخين في السيارات لتكمل الأماكن العامة التحدي عبر دخان السجائر والشيشة واستعراضات السيارات التي تلوث الهواء وتثير الغبار وتقع النباتات البرية والبيئات ضحية إطارات السيارات المسرعة. أضف إلى ذلك جو الحفلات المفعم بالألعاب النارية والبخاخات التي تطلق غازات ضارة وتنتج نفايات من مواد غير طبيعية تملأ المكان فضلا عن استخدام الأكواب والصحون والملاعق البلاستيكية التي سرعان ما تنتهي مهمتها لتُرمى حملا ثقيلا على كاهل البيئة. أضف إليه الدعايات الاستهلاكية المستمرة في التلفزيون والإعلانات مع غياب أو ضعف التوعية البيئية التي تتصدى لكل ذلك. كل ذلك مصحوب على أرض الواقع بتدمير مستمر للموائل البحرية والبرية وقضاء على بيئات المزارع والسواحل البحرية مشهدا من المشاهدات اليومية للطفل مع قوانين بيئية مفقودة، ضعيفة أو غير مطبقة على أرض الواقع.
هل توجد برامج على أرض الواقع في البحرين للتربية البيئية؟ ما المؤسسة التي تتولى مهمات التربية البيئية في البحرين أو تقود هذه العملية؟ هل هذه المؤسسة مؤهلة للقيام بهذا الدور الكبير؟
فإذا أردنا علاج المشكلة من مرحلة الطفولة وإنشاء جيل واعٍ بيئيا، فمن الضروري أن ندرك أن المؤسسة التعليمية النظامية (الروضة أو الحضانة) بصورتها الحالية ستقف وَسْطَ كل ذلك لوحدها تقريبا بتكوين لا يختلف كثيرا عن بقية التكوينات في المجتمع. ينطبق ذلك على تركيبتها البشرية وعلى شكلها وعلى مواصفاتها. يمضي ذلك على المبنى والأثاث والمقتنيات، والكادر التعليمي الذي عليه أن يواجه كل تلك التحديات إضافة إلى تحدي كونه جزءا من ذلك المجتمع بكل ما فيه من قصور في الوعي البيئي من معرفة وسلوكات فضلا عن قصور في الأدوات والمهارات اللازمة لتربية الأطفال بيئيا، فهو لم يتربَ بيئيا أصلا ولم يتدرب على كيفية عمل ذلك.
ويبقى التحدي الأكبر: هل الكادر لديه قناعات ثابتة بأهمية التربية البيئة وأثرها؟ وهل هو مؤمن بالقضايا البيئية؟ كل ذلك يستدعي تأهيلا كبيرا من الداخل ابتداء من معلمة الروضة ومرورا بكل العاملين في الروضة ووقوفا عند مبنى الروضة ومدى تماشيه مع مواصفات المبنى البيئي. ويأتي دور التنسيق والتعاون مع مؤسسات المجتمع الأخرى كيلا تبقى مؤسسة التعليم النظامي وحيدة وكي تستفيد من تجاربهم وخبراتهم في التربية البيئية من جهة ومن خبرتها البيئية عموما من جهة أخرى، مع التشديد على ضرورة التنسيق مع الأسرة وسبل مساندتها العمليةَ التربويةَ البيئيةَ. وليتم الوصول إلى تربية بيئية فاعلة شاملة ضمن التعليم النظامي وغير النظامي.
إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"العدد 1636 - الثلثاء 27 فبراير 2007م الموافق 09 صفر 1428هـ