العدد 1635 - الإثنين 26 فبراير 2007م الموافق 08 صفر 1428هـ

الجسر الذي لا مفر من توسيعه في الكويت

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

مرة أخرى تضرب العمل السياسي في الكويت أزمة جديدة وعميقة، وهي أزمة مكرورة مثل سوابقها التي تضاعفت في العقدين السابقين وخصوصا بعد التحرير حتى أصبحت علامة من علامات العمل السياسي في الساحة الكويتية وقامت بشكل العمل العام. وللأزمة عدد من الأسباب المباشرة وغير المباشرة، إلا أن جذورها لم تناقش على نطاق واسع ولم تقترح لها حلول ناجعة غير إعمال بعض النصوص والهروب إلى الأمام خوفا من مغبة الاصطدام، إلا أن ذلك ينقلنا من أزمة للولوج إلى غيرها، وإن اختلف الشكل فالمضمون واحد.

وقبل أن يتضرر المجتمع السياسي الكويتي أكثر مما هو متضرر، علينا واجب التفكير بصوت عالٍ وإعمال الخيال السياسي لسبر غور أسباب الأزمات المتكررة ووضع تصور للعلاج.

بصرف النظر عن الملابسات التي رافقت استجواب وزير الصحة الشيخ أحمد العبدالله، فقد كان السيناريو المتفق عليه خلف الكواليس قُبيل الاثنين قبل الماضي، يوم الاستجواب لم يتحقق. وقد كان التوجه أن يحدث الاستجواب ويلفت إلى مناطق القصور في الخدمات الصحية، ومن ثم يلجأ المجلس إلى لجنة تحقيق برلمانية تقدم توصيات لتحسين الخدمة، وفي وقت لاحق تأخذ بها الحكومة. هكذا كان السيناريو المعد، إلا أنه لم يُفعل لسبب بسيط وهو ما جرى في الجلسة من «مزايدة» خلف الصفوف في التسابق لطرح الثقة. فقدم اقتراح طرح الثقة أو كتب على الأقل على الورق ولم ينتهِ الاستجواب بحسب مصادر موثوقة، ومن ثم تسابقت بعض «الكتل» على وضع توقيع ممثل عنها على تلك الورقة التي تطلب تحديد جلسة لسحب الثقة، حتى لا يستحوذ فصيل سياسي بسبق «طرح الثقة» فيسجل له مكسبا شعبيا على حساب الآخرين. تلك هي لعبة برلمانية، إلا أنها لعبة خطرة ينحى فيها العقل السياسي لإصلاح الخدمة العامة وتقدم العاطفة الشعبية لنيل ما يتصور أنه مكسب شعبي، وهي ليس في صالح العمل السياسي في الكويت على المدى البعيد. إذ تفرض جوا سياسيا مأزوما، غير قابل لمتابعة مصالح الناس.

حقيقة الأمر ذلك كان تفصيلا في الصورة وليست هي الصورة الأكبر والأهم. قال لي صديق برلماني حديثا إنه قابل محمد السنعوسي في سفرة بعد استقالته، وشرح له الوزير السابق ما قام به من جهود إصلاحية في وزارة الإعلام، فما كان من الصديق البرلماني المخضرم إلا أنه رد على الوزير الذي قرر الاستقالة تفاديا للإحراج، إنك لم تسُقْ نفسك كما ينبغي، لقد كان عملك الذي شرحت ممتازا. بهذه القصة يلخص ولو جزئيا العلة بين السلطتين في الكويت، فاتهام جائز لسبب سياسي بصرف النظر عن التحقق والتوثيق على صلاح أو عدم صلاح الخدمة العامة، حتى غدا الجهاز التنفيذي مرتبكا ومقيدا، يمرر الاستثناءات للبعض ويمنع الخدمة الصحيحة عن الأكثر الآخر خوفا من مساءلة وتجنبا للوقوع في الاتهام.

أعود من جديد إلى مقولة طيب الذكر الصديق مشاري العنجري الذي كثيرا ما رددها، وهي أن عضو البرلمان في الكويت في الغالب «حبيس رغبة الناخب» وأن الوزير حبيس رغبة النائب، فهي عجلة مفرقة تدور وتأكل طاقة الرجال، وتعطل الخطط التنموية. كل ذلك باسم الديمقراطية، إلى درجة أن الكويت تراجعت في عدد من مؤشرات التنمية الدولية في التعليم والاقتصاد والخدمات والقدرة على المنافسة، وهي خسارة للناس قبل أي شيء آخر.

في العودة إلى الاستجواب (الأزمة) لوزير الصحة وبعد قراءة متأنية لما دار في المجلس يوم الاثنين قبل الماضي بدا من النص المنشور أن بعض النواب يعيب على الوزير «تنفيع» نواب آخرين! وقد أشير إلى ذلك أكثر من مرة في النص المنشور للاستجواب. وهي معضلة يدخل فيها كل وزير كويتي ولا يعرف كيف يخرج منها، فهو إن لم يفعل ذلك، بصرف النظر عن الشعارات، يعرض نفسه للمساءلة من أولئك الذين لم يستحب لهم، وإن فعل جزئيا عرض نفسه للمساءلة من آخرين. ومن الحكمة في الكويت أن تناقش هذه المسالة بشجاعة، لأن استمرارها هو وضع الوزير (أي وزير) في خانة التعطيل الحقيقي لمصالح الناس المرسلة ويؤثر ذلك على التنمية في الكويت، التي ليس لديها كمثلها في دول الخليج، تلك الفسحة من الوقت والموارد لتقوم بتشتيتها وتتجاوز فرص تنمية حقيقية، فأي خلل في هيكلية أسعار النفط سيهزم أي طموح للتنمية.

بعد نحو خمسين عاما من التجربة الديمقراطية في الكويت، لا مناص من القول إنها حققت الكثير من الإيجابيات، ذلك قول صحيح وحقيقي، ولكن هناك مثالب هيكلية آن أوان التصدي لها من أجل تطوير هذه التجربة إلى الأفضل، لقد أصبحت التجربة في خانة الجمود، وقد يكون قانون الانتخاب الجديد (خمس دوائر) بتفصيلاته المختلفة، إن فعّل تفعيلا صحيحا، جزءا من حل بعض المعضلات في العمل السياسي الكويتي، ولكن الأهم من ذلك هو ترميم الجسر الرئيسي وهو بعض مواد الدستور. النظر إلى التجربة الكويتي يشابه النظر إلى طريق عريض به خمس حارات تسير فيه السيارات ثم ينتهي إلى حارة واحدة مبني عليها جسر، وهذا الجسر يعرقل مسار الناس ويكدس المرور حوله، ولكن أحدا لا يجرؤ، لأسباب كثيرة، أن يطالب بتوسعته، هذه هي صورة الكويت اليوم، حارات من التنمية المتسارعة وعدد يكبر من المواطنين وعطل في الاستيعاب السياسي. والقائل بمعالجة هذا الخلل يصبح هدفا للكثير من التشكيك في انتمائه الديمقراطي، إلا أن الشجاعة الأدبية تستحق أن يطرح هذا الموضوع يناقش. فقد خلق وروج «لثقافة» سياسية تعطل من التفكير في إصلاح بعض مواد الدستور لجعلها أكثر قدرة على مواكبة التحديث في المجتمع الكويتي وعدم الأخذ بالتحديث في صلبه يعني الدفع بالبلاد إلى أزمات متكررة، يضيق بها المواطن إلى درجة تنفيره من التجربة بكاملها.

طرح عدد من الكتاب والمتابعين فكرة التعديلات الدستورية، وظهرت المخاوف التي تفسر المقاصد من دون نقاش، ولكن الأسئلة تبقى عالقة. منها هل يعقل أن يظل عدد ممثلي الشعب الكويتي خمسين نائبا، بعد أن تضاعف عدد السكان في الخمسين سنة الأخيرة نحو اثنتا عشرة مرة وهل يعقل أن يبقى عدد الوزراء خمسة عشر وزيرا (غير الرئيس) في الوقت الذي تضخمت فيه أعمال الدولة، بعض الوزراء لا يستطيعون حتى حضور كل الاجتماعات المطلوبة بسبب العبء العملي على كاهلهم، فكيف لهم أن يقرأوا الأضابير المكدسة ويتابعوا أعمال مؤسساتهم ومصالح الناس؟ ثم أخيرا هل يكفي أسبوعان فقط كي يقوم رئيس مجلس الوزراء بالمشاورات المطلوبة على نطاق واسع والحدي مع السياسيين وممثلي المجتمع المدني، ومن ثم تشكيل الحكومة في تلك الفترة القصيرة، وهناك الكثير مما يتطلب التفكير فيه ويعرفه كل من عمل في مؤسستي البرلمان ومجلس الوزراء أو قريبا منهما.

اليوم يعود الناس إلى أعمالهم بعد أسبوع الاستجواب والإجازات، وتعود من جديد الأزمة التي تفجرت قبل أسبوع سياسي حافل لتحتل أولوية في العمل السياسي. إلا أن الأيام المقبلة ستشهد ما إذا كان بوسع الجسم السياسي الكويتي أن ينظر إلى أبعد من إدارة الأزمة بالعمل على تخليص الناس من جذورها أم نبقى على الحال نفسه.

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1635 - الإثنين 26 فبراير 2007م الموافق 08 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً