من خلال استقراء واقع الحياة السياسية، يتضح أن المسألة الطائفية «كالقنبلة» ما أن تلمسها أو تحاول العبث فيها لمعرفة ماهيتها ونظامها، فإنك تتوجس من أن تنفجر في يدك فتخسر حينها يدك وتتهم بكونك أحد أبطال فيلم «الطائفية» المطاردين والمطلوب القبض عليهم بتهمة إثارة الطائفية البغيضة في وطن يسوده الوئام والانسجام ويعيشون في ظل أجواء مشحونة بالوحدة الوطنية وإيقاعاتها، ليس من الغريب في ظل تلك الظروف والأوضاع أن يصدر في حقك حكم الإعدام السياسي تحت تهمة متسبب في إحداث صراع سياسي؛ ولكونك ونظرا للتهمة الموجه إليك فإنك حتما لا تستحق أن تعيش في مجتمع مستقر سياسيا وتكون معبأ بسموم ربما من بينها سم الطائفية البغيضة؛ حتى لا تسمم من حولك من وطنيين مخلصين، وتتسبب في نقل العدوى لهم، فالأفضل لك ولنا أن تغادر الساحة الوطنية إلى غير رجعة حاملا معك بذرة مرضك.
بنضرة فاحصة إلى أحوال الساحة السياسية فإننا نجد أن المرض الطائفي قد جاء مستوردا من البلدان التي تجاورنا والتي نبع فيها المرض نتيجة الظروف السياسية والصراعات بين المذاهب والمستفيد منها أولا وأخيرا هم أعداء الإسلام، والذين يحاولون استغلال الأوضاع السياسية المختلفة من خلال تأجيج الأوضاع داخل المجتمعات وبين الشعوب بعضهم بعضا، بإثارة النعرات الطائفية والمحاصصات التي لا تحمل معاني العدل والإنصاف، وبالتالي تدور حينها طاحونة الاتهامات المشبعة بروح الطائفية، المرض العصري الذي لم تعرفه الإنسانية بهذا المستوى قط إلا عندما غزت أميركا العراق تحت حجج واهية لا يصدقها عقل أي إنسان عاقل، وبعدما انتهت من وضع ملامح مشروع الشرق الأوسط الكبير القائم أساسا على التفرقة، وإثارة النزعات الطائفية من خلال استغلال المواقف السياسية.
لقد تم إنتاج جرثومة المرض الطائفي في مختبرات أميركا التي لا تعرف إلا العداء للإسلام والمسلمين ولن تحقق هدفها إلا من خلال تفرجها على حال التقاتل والصراع بين المسلمين في أكثر من بقعة في العالم بسبب الخلافات الطائفية، على رغم أنهم تصالحوا وعاشوا أجواء الوحدة سنوات طوال، ولكن يبدو أن الجرثومة المصنعة كانت أقوى من المناعات الطبيعية لدى البشرية.
ومقاربة للموضوع ذاته ومن خلال استقراء واقع الحياة السياسية في البحرين ومدى تأثرها من داء الطائفية باعتبارها إحدى الدول المجاورة لعراق والقريبة من لبنان التي ما فتأت تعاني من مرض الطائفية جراء التدخلات الأميركية في شئونهم الخاصة «لحاجة في نفس يعقوب»، وعلى رغم ضرورة أن توفر الأنظمة العربية الأسباب للحد من انتشار أمراض من شأنها أن تهدد أمنها واستقرارها نجد أن الساحة البحرينية قد تأثرت بالمرض نفسه للقرب من جهة ولتشابه الظروف السياسية ولرغبة الحكومة في الاستفادة من جرثومة المرض من جهة أخرى؛ لتحقيق مآربها السياسية الخاصة، وساهم في استقبال المرض الظروف السياسية فقد كانت عاملا مساعدا لاحتضان الجرثومة، والأمر بلغ أوجه إبان العمليات الانتخابية النيابية والبلدية والتي حصلت حديثا فقد تم إفراغ شحنات المرض على شكل فزعات طائفية عدة مخطط لها في عدة محافظات ودوائر انتخابية؛ بغرض ضمان الحصول على بعض المقاعد النيابية فقد اعتادت بعض التيارات السياسية أن تستغل النعرة الطائفية؛ لتحقيق مكاسب سياسية أسرع من أي أسلوب آخر، كما أعتاد جمهورهم الصحو على أثر الفزعة الطائفية والانتصار لهم تحت تأثير الخطاب الطائفي التحريضي المريض، فبدأ المشهد السياسي ملطخا بالصراع الطائفي وبشكل فاقع خشي المراقب السياسي أن تمتد الصراعات إلى ما بعد العمليات الانتخابية.
الصراعات السياسية الطائفية استمر إيقاعها ولم تغادر الساحة السياسية أو ربما لم تهدأ إلا مع انتهاء العمليات الانتخابية وبروز النتائج النهائية وتوزيع المناصب الرئيسة في المجلس النيابي وهيمنة المؤيدين للحكومة وإقصاء المعارضة، ضاربين بعرض الحائط كل الأعراف السائدة من وجود تنوع إلى استحقاق أكبر كتلة داخل البرلمان إلى إرادة شعبية تمثل أكثرية بحساب الكتلة الصوتية المشاركة في العملية الانتخابية والتي تقدر بـ 62 في المئة بحساب الإحصاءات الرسمية، فقد تحقق الهدف الأساس الذي كان البعض يخطط له، والذي أبرزه أحد أشهر التقارير وأكثرهم جدلا على الساحة السياسية ولايزال المراقب السياسي يشهد بأم عينيه كيف أن التوصيات التي جاءت فيه على الأرض، فقد جاء الانتصار الذي خطط له لصالح المؤيدين على حساب المعارضة، كما لم تهدأ الساحة السياسية إلا عندما قسمت الكتل داخل المجلس بالشكل التي يرضى عنه الحكم من خلال كتلتين فقط الأولى لصالح المؤيدين للحكم ويمثلون الأكثرية لضمان التحكم في العملية التشريعية برمتها، ويمثلهم (22) نائبا في الغالب حصلوا على مواقعهم بالتعيين داخل مجلس منتخب، فقد درت عليهم المراكز العامة الخير الكثير من الأصوات وضمنت لهم الفوز المؤزر على حساب منافسيهم المعارضين، ألم أشخص المشهد السياسي بأن الصراع السياسي الطائفي بدأ مع ماراثوان العملية الانتخابية؟، والكتلة الأخرى بطبيعة الحال تمثل الكتلة الأصغر وتتكون من (18) نائبا معارضا.
بعد تلمس كل تلك المشاهد وبعد وضع اليد على كل تلك الجراجات التي لاتزال ندية، ألا يحق لنا أن نتساءل ونرفع صوتنا عاليا ضد الصراعات السياسية التي نختنق بها؟، ونسأل عن المسئول عنها؟ وهل من وقفة جادة لإصلاح ما يتسبب به الصراع السياسي، أم أن الجميع براء من ذلك وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء؟
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1632 - الجمعة 23 فبراير 2007م الموافق 05 صفر 1428هـ