العدد 1631 - الخميس 22 فبراير 2007م الموافق 04 صفر 1428هـ

ابن الجوزي والمغفّلون!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من أشهر الكتّاب في العصر العباسي أبوعثمان عمرو بن بحر الجاحظ، الذي سجّل فتحا كبيرا في مجال الكتابة الكوميدية العربية، يستند إليه الباحثون العرب في تفنيد مقولةٍ مازال يتشبث بها بعض المستشرقين بأن الأمة العربية أمةٌ كئيبةٌ ولا تعرف إلاّ الحزن والبكاء على الأطلال.

من بعد كتب الجاحظ يأتي كتاب الإمام أبوالفرج عبدالرحمن ابن الجوزي «أخبار الحمقى والمغفلين»، ليشكّل علامة إضافية في مجال الكتابة المسلية والهزلية الهادفة، الذي انتقد القضاة والولاة وأئمة المساجد والمؤذنين، مع أنه عالم دين متخصّص بالوعظ. وقد ذكر قصة المعلّم الذي أخذ ينبح كالكلب، ليحسب تلميذه الهارب أنه كلبه فيعود إليه... فهذه أفضل طريقةٍ تربويةٍ لإعادة الطلاّب الهاربين من المدرسة إلى الصف!

إلى ذلك يذكر ابن الجوزي قصة ذلك القائد الذي استدعى ولده، وقال له: «لقد قضيت هذه الليلة ساهرا يا بني، في أمرٍ أفكّر فيه حتى الساعة»، فظنّ الابن ان أباه يفكر في غزو بلاد الروم، ولما سأله عن هذا الأمر الذي أقضّ مضجعه أجاب: «اشتهيت أن يصيّرني الله من الحور العين ويجعل في الجنة زوجي النبي يوسف»!

عندما تقرأ الكتاب وتكتشف هذا الكم الكبير من الحمقى والمغفلين، ستقول حتما: ساعد الله قلب ابن الجوزي، فكم ابتلي المسكين بما ازدحم به عصره من حمقى، حتى ألف عنهم كتابا مخصوصا! ولكن... لو جاء إلى هذا العصر ورأى الحمقى والمغفّلين و«طايحين وطايحات الحظ»، ألن يؤلّف عنهم موسوعة من عشرة مجلدات؟

فإذا كان أحد حمقى العصر العباسي ينبح كالكلب ليعيد تلاميذه إليه، ويفكّر أحدهم بالتحوّل إلى الجنس الثالث في الآخرة بدل أن يسأل الله العفو والعافية والدرجة العليا، فكيف سيكون حال ابن الجوزي مع حمقى القرن الحادي والعشرين، ممن يظنّون أنفسهم عباقرة ومفكّرين، فيكذبون على الناس، ويزوّرون الحقائق، ويتهمون أماكن العبادة بأنها مخازن للأسلحة، فإذا ضحك الناس على غبائهم ذهبوا ليشتكوا عند رؤسائهم كالأطفال!

هؤلاء «المبتَذَلون» يظنون أن فوق رؤوسهم ريشة مقدّسة، وأن مناصبهم التي حصلوا عليها بالتلويص و(الدغلباز)، ستنسي الناس كيف استغلوا أموال الجمعيات الخيرية للوصول إليها عبر توزيع (خياش العيش) على الفقراء والمعوزين!

وهناك صنفٌ آخر من الحمقى في هذا القرن، يحرّفون حتى البيانات الرسمية ويضيفون عليها جرعاتٍ من الكذب والتزوير و(الشلخ)، ويثيرون الرأي العام ويقودون البلد من أزمةٍ إلى أزمة، ويورّطون وزارات الدولة، ولا يحترمون أعراف العمل الإعلامي، وينشرون صورا قديمة على انها صور التقطت بالأمس، فيهرّبون المستثمرين الأجانب ويرعبون العوائل الخليجية من قضاء إجازة نهاية الأسبوع في البحرين، بسبب تلك المانشيتات الانقلابية الحمراء.

هؤلاء الحمقى والمغفّلون، الذين يريدون أن يفيدوا الحكومة فيضرّوها، لا يتعلمون من حماقاتهم وغير مستعدين للتراجع عن أكاذيبهم وفبركاتهم، فـقضية «المعسكر التدريبي في بني جمرة» آيةٌ نازلةٌ من السماء، وهو ما يستدعي الاستمرار في لعبة المانشيتات الغبية إلى آخر مداها: «توقعات بتدخل النيابي في قضية المعسكر الإرهابي»! يعني قائد مجموعة إرهابية حتى لو كان سبال! فالغباوة متأصلةٌ حتى شحمة الأذن، مثل قراقوش الذي (ابتلش) بحماقاته المصريون ومازالوا يذكرون قصته مع المنحوس الذي حكم عليه بالإعدام، وكان طويل القامة، فلما سيق إلى المشنقة وتعذّر تنفيذ الحكم لطوله، قال لهم قراقوش: إذا... نفّذوا الحكم في رجل أقصر منه!

لو عاش ابن الجوزي (ره) اليوم، لأعاد إصدار كتابه بعد إضافة قصص الحمقى الجدد، وتصدّى لحملات الكذب وتضليل الرأي العام وتزوير الحقائق وتحميل الأمور ما لا تحتمل، دفعا للفتنة الطائفية التي دأب على تأجيجها بعض التنابلة والطنابير.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1631 - الخميس 22 فبراير 2007م الموافق 04 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً