ان الحوادث المميتة في مواقع العمل التي نسمع عنها نقلا أو نقرأ عنها في الصحف تضاعف عددها وأصبحت من الامور التي تمر علينا ونحن في غفلة وكأنها أشبه ما تكون بتلك الحوادث البسيطة التي أكثر ما ينتج عنها هو تلف في سياج أو عمود كهربائي أو ما شابه. بل انها تتوالى الواحدة تلو الاخرى من دون ان يكون لها الأثر في تحريك النفوس، نفوس من هم في مواقع القرار. فنحن لا نسمع عن لجان تحقيق أو ايقاف مؤسسة عن العمل أو صدور تقرير بنتائج تحقيق في حادث ما.
وإنني اتوجه إلى كل من يستطيع التأثير مباشرة أو غير مباشرة في رفع مستوى السلامة المهنية في قطاع الصناعات البحرينية ان يسهم ولو قليلا من الجهد من أجل الحفاظ على سلامة العامل البحريني والذي من شأنه الحفاظ على اقتصادنا ورفع المعاناة عن مجتمعنا. وأطرح بعض الاسئلة محاولا الاجابة عنها.
هل سأل احد من هؤلاء (أقصد هنا أصحاب العمل والمؤسسات التي تقع فيها حوادث بليغة ومميتة بالإضافة إلى مسئولي السلامة الصناعية في الدولة) هل سأل نفسه عن مدى الألم وحرقة الفراق الذي قد يلم به عند فقد احد أفراد عائلته في موقع العمل، ليس لتقصير في اتباع شروط السلامة وانما لعدم توافر ابسط مستلزمات السلامة؟ وهي في غالبية الأحيان تكون ابسط من ان يتوه عنها رب العمل والسبب هو انه حاول توفير بعض المال بعدم تطبيقها.
هل عدم توفير ظروف السلامة انسياقا وراء النزعة لتوفير بعض المال هو السبب في موت العامل في موقع العمل، ام هو العامل نفسه؟
ان صاحب العمل هو المسئول الاول وجشعه هو احد اهم الاسباب المؤدية الى موت العامل، نعم هو كذلك، لأن القانون المعمول به ينص على توفير أمور السلامة الكافية وتوعية العامل بالأخطار الناتجة عن طبيعة عمله، ولا يستطيع العامل مخالفة قوانين السلامة لو وفرت له الظروف المناسبة والمعلومات الكافية والرقابة المستمرة في مواقع العمل.
هل تكون الاجابة عن هذه الاسئلة بتلك البساطة، ام انه مجرد تخمينات نحاول عن طريقه اثارة مشاعر العامة من الناس، أو انها اجابات الكل يعرفها وفي الوقت نفسه يحاول تجاهلها فهي تحمل بين اسطرها اتهاما لا يصح القيام به إلا بعد التحقيق والتأكد.
هل هناك طريقة اسهل للوصول إلى اجابات عن اسئلتنا التي هي بكل تأكيد تدور في خلد كل من يحمل حب ومشاعر صادقة تجاه وطنه ومواطنيه؟ نعم، فلو اننا قمنا باجراء مقارنة بسيطة بين اهمية السلامة المهنية في بلدنا وتلك التي في البلدان المتقدمة صناعيا والتي سبقتنا في التشريع والتطبيق لشروط السلامة المهنية لوجدنا الآتي:
1- ان قوانين الصحة والسلامة المهنية اكثر شمولية وتماشيا مع التطور الصناعي والاقتصادي، فهي في الوقت الذي تضع شروطا قاسية فهي تأخذ في الحسبان طبيعة العمل المؤدى وتوفر الدليل والمعلومات التي يسترشد بها عند تطبيق القانون.
2- ان القانون له اذرع قوية يستطيع من خلالها اجبار المؤسسات بتطبيق ما جاء فيها من متطلبات. فهي تعطي الصلاحيات المناسبة واللازمة لمفتشي السلامة المهنية لتعينهم على القيام بواجبهم من دون التفريق والتفضيل بين المؤسسات المعنية.
3- ان الدولة في البلدان المتقدمة تنفق الكثير من اجل خلق كادر من المفتشين بأعداد كافية وتدريب متميز لفرض اتباع وتطبيق هذه القوانين.
4- ان عامة الناس من الجمهور لهم الحق في السؤال والاستفسار وبالتالي الاضطلاع على الدراسات عن طبيعة عمل مؤسسته سواء من مواد خام أو ما يتم انتاجه او مواد تجري معالجتها.
5- انه لا مجال للمحسوبية في التستر على الحوادث ما أمكن بل التأكيد على التحقيق فيها والتوصل الى الأسباب الحقيقية ومن ثم نشر نتائجها للمجتمع.
6- ان التعويضات التي تصرف للعامل وتفرض على صاحب المؤسسة عن طريق التفاوض او عن طريق المحكمة عادة ما تكون ضخمة بالحجم الذي يشكل ثقلا على المؤسسة ولذلك فهي تحاول جاهدة تفاديه وذلك بمنع وقوع الحوادث، وليس كما هو الحال لدينا فإن التعويض يكون اقل بكثير من توفير متطلبات السلامة.
7- ان الضرر الذي يقع على المؤسسة بعد وقوع الحادث يكون كبيرا وذلك لأنه يؤثر على قرار ارساء مناقصات مستقبلية يستبعد منها المؤسسات ذات التاريخ السيئ في مجال تفادي الحوادث... اما الحال لدينا فإن طرق ارساء المناقصات لا يمت بصلة لاداء المؤسسة في مجال السلامة المهنية، فهو لا يؤثر ولا يتأثر بعدد الحوادث سواء زادت او قلت.
8- في البلدان المتقدمة نجد الجمعيات المهنية تلعب دورا فاعلا في التأثير على مجريات الامور وتقع على عاتقها مسئولية مراقبة الاداء وكذلك توعية العامل بحقوقه وواجباته خلال عمــــله في مجــــال الصحة والســـلامة. اما جمــــعياتــــنا فإنها لم تستطع ان تقـــوم بــهذا الدور الى الآن.
9- ان اهم عامل يجب التركيز عليه في برامج السلامة المهنية هو رفع مستوى الوعي بأمور السلامة في اماكن العمل، وذلك بتدريب العمال كافة في برامج سلامة مدروسة ومناسبة، الا ان هذا شيء يكاد يكون معدوما الا ما ندر او ما فرض قسرا من خلال عقد انشاء مع إحدى المؤسسات التعليمية.
10- في تلك البلدان يتم تمثيل العمال عن طريق نقابتهم العمالية وهي تنوب عنهم بالتمثيل في لجان قانونية لسن القوانين (إذ تكون اللجان العليا من اكفأ القوم علما وخبرة) وتكون الجهة التي تطالب صاحب العمل بتطبيق برامج السلامة في أماكن العمل (إذ تكون لها سلطة قوية تحصل بها على حقوق العامل)، ولنا في النقابات المستحدثة في بلدنا امل كبير ان تكون قوية ومؤثرة.
11- ان جميع المشروعات المطروحة للمناقصات اول ما تدرجه ضمن شروط الدخول في المناقصة هو توفير معلومات كافية عن الخطة المرسومة لبرنامج السلامة خلال تنفيذ المشروع ورصد موازنة تتناسب مع حجم برنامج السلامة المزمع تنفيذه.
هذه بعض النقاط التي احببت ان تكون بداية الحديث عن السلامة المهنية في البحرين، على أمل ان تسهم في خلق وعي اعمق عن المهمة التي امتهنتها
العدد 163 - السبت 15 فبراير 2003م الموافق 13 ذي الحجة 1423هـ