بعد أيام قليلة، ستنطلق العريضة العمالية للعاملين في وزارات ومؤسسات الدولة مطالبين برفع مستوى الأجور، وستكون هذه العريضة بمثابة استفتاء عمالي على ضرورة توحيد الجهود والتكاتف لتحقيق مطالب العاملين وضمان الأمن الاجتماعي لأسرهم، فمن خلال هذه الحركة المطلبية تكون الحكومة أمام واقع مخاطبة العاملين لديها بما يقنع ذوي الدخل المحدود بجدية الحكومة وعزمها الفعلي تلبية مطالب العاملين والإسراع إلى تعديل جداول المرتبات رقم (1) ورقم (2) بما يضمن تحقيق العيش الكريم ومواجهة انفلات الأسعار.
إن كانت الحكومة قد عملت جاهدة على تحسين أوضاع الوزراء والوكلاء والسفراء والنواب والقضاة وغيرهم، فمن باب أولى أن يحظى الفقراء بقليل من اهتمام الدولة وعنايتها، وخصوصا أن العمال في البحرين هم العصب الأكبر للتنمية الوطنية وهم الثروة العظمى لتقدم البلاد في المستقبل، ولا تستطيع أية حكومة راشدة التعويل على ثروة أخرى وإهمال الجانب الفاعل في حلقة البناء والتقدم، كما أن دولا صناعية قد ركزت على تطوير وتدريب الطبقة العاملة، وتمكنت من الوقوف على أرضية اقتصادية صلبة، ونجحت في البحث عن بدائل استثمارية مجدية، فقد تحقق لهذه الدول ما تصبو إليه من مقارعة الكبار في عالم الصناعة، وتحقيق قفزات جيدة في سلم القدرة التنافسية، وتحولها من دول استهلاكية جامدة، إلى تكتلات صناعية منتجة ومبدعة في عالم الاقتصاد.
إن ما يطالب به العمال في البحرين ليس من باب استنزاف موارد الدولة وتبديد ثرواتها، فإيمان السلطة بالشراكة الاجتماعية وتحقيق العدالة في توزيع الثروة، فتلك من الأمور التي ستحفز العمال لرفع مستوى الإنتاج، بل تطوير أساليبه كذلك من دون إلحاح من الجهات الإدارية، فهناك علاقة طردية بين التمييز في الاستخدام وسوء الإدارة وتراجع الإنتاج؛ ولذلك فقد صدقت حكومة البحرين على اتفاق منظمة العمل الدولية رقم 111 لسنة 1958 الخاص بالتمييز في الاستخدام والمهنة، إلا أن الحكومة لم توفق حتى الآن في تفعيل بنودها وسريان أحكامها على جميع العاملين، فكانت السلطة التقديرية العليا هي الجهة الوحيدة التي تشرّع وتقرر، بمعزل عن تفعيل الشراكة الاجتماعية وصيانة الحريات والحقوق النقابية للقواعد العمالية.
دول الخليج المجاورة قامت أخيرا برفع مستوى الأجور بشكل قد أثار فضول العاملين في البحرين، دول لا توجد بها مجالس تشريعية ولا أحزاب ولا نقابات، ولا تعرف شيئا عن العرائض والاحتجاجات، ومع ذلك فقد تمكنت حكوماتها من وضع اليد على الجرح، وأعطت شعوبها ما لم تطالب به، وضمنت بذلك تقديم الاقتصاد على السياسة عبر نبذ التمييز واحتكار الثروات، ولنسلط الضوء بروية واتزان على حجم الاستثمارات المتدفقة على هذه الدول، ومدى قدرتها على استيعاب رؤوس الأموال المهاجرة من الغرب والشرق، تأسيسا لنقاط جذب إقليمية تخلفت عنها البحرين بمراحل لا تعكس وضعها السابق في المنطقة.
بعد موجة الغلاء الأخيرة، ينتظر المجتمع حلولا جذرية لمواجهة هذه الطفرة، فالتفكير في زيادة المرتبات يجب أن يرافقه تفكير آخر لرفع مستوى الإنتاج، ذلك إن كنا نفكر ونحلل بعقلية نقابية متقدمة، فمع كل توقيع على هذه العريضة، يقابله وجوب بضرورة التخطيط لمستقبل الأجيال الواعدة، والتأسيس لوحدة مجتمعية قادرة على بلورة الأفكار وصوغ الأسئلة والإجابة عنها من دون مساعدة من أحد، وفي الختام، العريضة تعبير عن حرمان، والقرار عند صانعه ينتظر جرة قلم.
إقرأ أيضا لـ "معاذ المشاري"العدد 1629 - الثلثاء 20 فبراير 2007م الموافق 02 صفر 1428هـ