العدد 1626 - السبت 17 فبراير 2007م الموافق 29 محرم 1428هـ

مياه القطاع البلدي وخيارات الموازنة بين العرض والطلب

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

تواجه دول مجلس التعاون الكثير من التحديات والصعوبات في توفير المتطلبات المائية المطردة للقطاع البلدي الناتجة أساسا عن معدلات النمو السكاني المتسارعة وأنماط الاستهلاك السائدة في هذه الدول، إذ تفوق معدلات نمو الطلب في هذا القطاع معدلات قدرة هذه الدول في تطوير مواردها المائية.

وكما هو معروف، فإنه قبل بدء بناء الدولة الحديثة في هذه الدول في مرحلة السبعينات من القرن الماضي اعتمدت معظم دول المجلس على موارد المياه الجوفية لتلبية متطلباتها من المياه البلدية، إلا أنه ومع زيادة الطلب من ناحية، ومحدودية موارد المياه الجوفية وتدهور نوعيتها المستمر من ناحية أخرى، لجأت دول المجلس إلى خيار زيادة الإمدادات المائية عن طريق التوسع في بناء محطات التحلية كأحد الخيارات الرئيسة لتلبية متطلبات هذا القطاع لتوفير كمية المياه ومواصفاتها النوعية المطلوبة للاستخدام المنزلي والشرب، مع دعم هذه المياه بالمياه الجوفية. وفي سبيل ذلك، شهدت المنطقة توسعا كبيرا في إنشاء محطات التحلية، ساعدها في ذلك توفر الامكانات المالية العالية نسبيا وكذلك توفر الطاقة المتمثلة في النفط والغاز الطبيعي لتشغيل هذه المحطات.

وحاليا توفر محطات التحلية في معظم دول المجلس النسبة الأكبر من احتياجات القطاع البلدي وتلبية متطلباته المتزايدة من حيث الكمية والنوعية المطلوبة، وتبلغ حصة المياه المحلاة من إمدادات المياه للقطاع البلدي أكثر من 70 في المئة في دول قطر والكويت والإمارات ومملكة البحرين، وأكثر من 40 في المئة للمملكة العربية السعودية، ونحو 35 في المئة لسلطنة عمان، وتبلغ هذه النسبة لمجمل دول المجلس أكثر من 60 في المئة. وخلال الفترة من 1980 إلى 2000 زادت سعة الإنتاج السنوية لمحطات التحلية في دول المجلس من نحو مليار متر مكعب إلى أكثر من ثلاثة مليارات متر مكعب، وبتسارع ملحوظ في العشر سنوات الأخيرة. وتمتلك دول المجلس حاليا أعلى طاقة تحلية في العالم، إذ تتجاوز الطاقة الإنتاجية لمحطات التحلية في هذه الدول أكثر من 50 في المئة من طاقة التحلية العالمية. وبحسب المؤشرات الحالية المتمثلة في التدهور المستمر في نوعية المياه الجوفية وعدم مواءمة نوعيتها لمواصفات المياه المنزلية، والطلب المتسارع على المياه البلدية والتزايد المستمر لحصة المياه المحلاة في القطاع البلدي، فإنه من المتوقع أن تزداد نسب مساهمة المياه المحلاة في تزويد القطاع البلدي مع الوقت، وأن تصبح المصدر الرئيس للقطاع البلدي في جميع دول المجلس في المستقبل.

لقد أدت جهود دول المجلس في هذا المجال إلى توفير أعلى حصة للفرد في العالم من المياه المحلاة، إذ تبلغ حصة الفرد الخليجي من المياه المحلاة في المتوسط نحو 350 لترا في اليوم، وتتراوح هذه الحصة في دول المجلس ما بين نحو 85 لترا للفرد في اليوم في سلطنة عمان، وأكثر من 1000 لتر للفرد في اليوم في الإمارات العربية المتحدة. إلا أن هذه الجهود تطلبت استثمارات مالية عالية، إذ قدرت كلف إنشاء محطات التحلية في دول المجلس بنحو 21 مليار دولار أميركي حتى العام 2000، وهي مبالغ طائلة نسبيا ومرهقة لموازنات دول المجلس، كما تعتبر كلفة إنتاج المياه المحلاة في دول المجلس عالية نسبيا مقارنة بدول العالم الأخرى (بسبب هيمنة القطاع الحكومي على هذا القطاع وانخفاض كفاءته)، إذ يبلغ المتوسط لكلف إنتاج المياه المحلاة في دول المجلس ما بين 1و2 دولار أميركي للمتر المكعب، ما يضخم من حجم الاستثمارات المالية المطلوبة لبناء وتشغيل محطات التحلية الجديدة. أضف إلى ذلك الإعانات الحكومية المالية الكبيرة لهذا القطاع وعدم إمكان القطاع من استرجاع هذه الكلف، والتي تنتج عنها فجوة كبيرة بين كلف الإنتاج والتزويد والإيرادات (تتراوح الإعانات ما بين 40 في المئة في سلطنة عمان و95 في المئة في المملكة العربية السعودية، وبمتوسط 90 في المئة في دول المجلس)، ما يمثل عبئا كبيرا على كاهل الموازنات المالية لدول المجلس، والتي قد تحرم قطاعات حيوية أخرى بدول المجلس، مثل الصحة والتعليم والتنمية البشرية من الاستفادة منها.

أما بالنسبة إلى تأثيرات التوسع في إنشاء محطات التحلية على البيئة، فإنها، وعلى رغم قلة الدراسات في هذا المجال، فإن الدراسات المتوافرة في منطقة الخليج العربي تدل على أن لها تأثيرات سلبية كثيرة، وكبيرة في المنطقة المحيطة بها، إذ تؤدي عمليات التحلية إلى تلوث الهواء بسبب انبعاث مختلف أنواع الأكاسيد من مداخن محطات التحلية، وخصوصا تلك المحطات التي تستخدم النفط بدلا من الغاز الطبيعي، ما يؤدي إلى مخاطر صحية بسبب تلوث الهواء في حال وجود مناطق حضرية قريبة من هذه المحطات، كما تؤدي هذه المحطات إلى أضرار جسيمة للبيئة البحرية بسبب صرف المحلول الملحي المركز والحار المتخلف عن عملية التحلية، ومخلفات المواد الكيماوية المستخدمة في معالجة المياه والآثار المتبقية من العناصر التي تكون قد التقطتها وهي داخل وحدة التحلية، ما يؤدي إلى تغيرات كيماوية وطبيعية وبيولوجية في البيئة البحرية المحيطة.

وبحسب المعطيات الحالية فإنه من المتوقع أن يزداد معدل الزيادة في السعة الإنتاجية لإنتاج محطات التحلية لدول مجلس التعاون بمعدلات تفوق المعدلات السابقة التي تمت ملاحظتها في الفترة الماضية، وتشير هذه المعطيات إلى أن دول مجلس التعاون مقبلة على استثمارات هائلة وكلف باهظة في مجال التحلية متزايدة مع الوقت، ومن المتوقع كذلك أن تزداد تأثيراتها السلبية على البيئة البحرية وجودة الهواء في المناطق المحيطة بمحطات التحلية.

إذا، وفي وجه زيادة المتطلبات المائية للقطاع البلدي المتزايدة في دول المجلس وتضخمها بسبب أنماط الاستهلاك الحالية وفي ظل عدم وجود مصادر مائية بديلة أخرى، فإن خيار التوسع في إنشاء محطات التحلية سيكون هو الخيار الرئيسي لمواجهة هذه المتطلبات. وبما أنه ليس أمام المسئولين عن تخطيط وإدارة المياه في دول مجلس التعاون من خيار بديل للاستغناء عن إنشاء محطات التحلية، فإنه من البدهي أن يتم النظر إلى تقليل الكلف المالية والاقتصادية لإنشائها وتشغيلها وتخفيف الأضرار البيئية التي قد تنتج عنها قدر المستطاع. ويمكن تحقيق ذلك بواسطة الكثير من الأدوات الإدارية التقنية والاقتصادية التي من الممكن أن تعمل على زيادة المتاح من المياه المحلاة وتقليل الطلب عليها، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى تأجيل بناء محطات التحلية وتقليل كلفها وأضرارها البيئية.

وسيتم في المقال المقبل تشخيص وضع المياه في القطاع البلدي والقطاعات الأخرى المستهلكة للمياه في دول المجلس، وطرح مجموعة من الخيارات التي من الممكن اتخاذها في سبيل تأجيل بناء محطات التحلية وتقليل الكلف المالية والاقتصادية والأضرار البيئية المصاحبة لها.

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1626 - السبت 17 فبراير 2007م الموافق 29 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً