لما أن أميركا ظلت منذ بدايات نشوئها مع بدايات الرحلات الاستكشافية إلى أميركا تسجل لطخات سوداء داخل الوطن الأميركي جراء تعاملها السلبي مع الهنود الحمر سكان البلاد الأصليين إذ أبادت منهم قرابة ستين مليون نسمة، وتوجت فعلتها السوداء بإبادة 100 مليون إفريقي، ممن تم ترحيلهم تحت قسر العبودية من قبل تجار العبيد ليعملوا في مزارع البيض في ظروف كان لسان السوط حتى الموت، ينز على جلودهم لأبسط هفوة، أو بهوة لا قيمة ولكن يستحسنها مزاج السيد الأبيض الجلد الكالح الضمير مثل ما روته قصة «كوخ العم توم».
ولما أن أميركا لم تكتف بما سطرناه من حوادث تاريخية ثابتة، لا يمكن دحضها، سودت بها تاريخ نشوئها، وإنها مدت ذاك التاريخ الأسود المشين بأفعالها السلبية البربرية التي لا تتفق مع أبسط الأخلاق والمبادئ الإنسانية في أبسط صورها، على امتداد تاريخها وحتى ضد شعوب وحكومات العالم الأخرى خارج أميركا من جيرانها.
وإن أميركا في ظل أفكارها الميتافيزيقية، وشطحاتها الجنونية المبنية على التطلع المطلق لحكم العالم، فهي بهذا السلوك قد خسرت ثقة شعوب العالم المتطلعة إلى الحرية والكرامة والاستقلال إذا ما استثنينا بعضا من حكومات «أرقوزية» ترقصهم أميركا من خلف الستار... إن معظم شعوب العالم لا ترى في أميركا إلا كومة متهالكة من عدم الثقة بها، قولا ومواعيد وأفعالا... فهي في أقوالها كاذبة، وفي مواعيدها غادرة، فأين ما تحقق من مواعيدها عبر عشرات السنين بشأن السلام مع «إسرائيل»، وإقامة الدولة الفلسطينية؟. وفي أفعالها متقلبة وغير مستقرة، ومع كل موعد تلبس قناعا جديدا من أقنعة الشيطان تخدع به أول ما تخدع أعوانها ثم تتركهم في حيرة من أمرهم مع شعوبهم... وإنه لا شك أن كذا نوع من السلوك الأميركي، التي تحاول بكل وسائلها الفاشلة، أن تسوغها بمجرد مواعيد كاذبة، مزخرفة بألفاظ ضخمة كجبل من كارتون، ومطلية بسراب من الديمقراطية، هذه الديمقراطية التي بدأت تتآكل وتتلاشى في أوساط المجتمع الأميركي نفسه، فكيف يمكن الإيمان والتصديق بتحقيقها لدى مجتمعات يكنون كل البغض لأميركا، وبمختلف المسميات والمواصفات، التي يبقى في النهاية مع تعددها الموت واحد، مع هذه الوسائل الخداعية ذات التبريرات السقيمة، تظل الشعوب في مواقفها الثابتة على دروب سيرة التحرر والتخلص من أي شكل من أشكال الاستعمار وما آخرها (الاستعمار البيوكولنيالي) تبارك كل صفعة توجهها أية حكومة على وجه الأرض تذل بها أميركا وتهز من عنجهيتها، ما يؤدي إلى طأطأة رأسها، وتضعها في خانة الذل والانكسار.
فأميركا دولة انفلتت خارج منطق المقبول والممكن التعامل معها حتى اقتصرت في هذا المسار على فئات من حكام لا يحظون بأقل القليل من احترام وتعاطف شعوبهم معهم... وهي حال تدركها أميركا ويدركها أذناب أميركا؟.
إن العالم سيظل مرتبكا في أمره لا يعرف كيف يتعامل مع دولة مثل أميركا تبدل جلدها كالحية مئة مرة في اليوم وكذلك قناعات، وأقنعة وجهها الكالح، فهي تجري جري الشيطان وراء أية حكومة تأبى الانصياع للأوامر الأميركية، حتى عندما تحس هذه الحكومة بأن الخطر الأميركي قد أصبح قاب قوسين أو أدنى منها، وتبدأ باتخاذ الاحتياطات الضرورية والكفيلة للمحافظة على كرامتها وعلى استقلالها، بالوسائل التكنولوجية الراقية بما فيها التكنولوجيا النووية، عندها تقوم قيامة أميركا، وترفع وتيرة صراخها، وتعلن في شتى أنحاء العالم، أن العالم في خطر، لأن دولة من دول العالم شقت عصى الطاعة وخرجت عن إرادة أميركا وحاولت أن تكتسب منعة وتبلغ قدرة تمكنها من مواجهة الغطرسة الأميركية لأن حكومة اليمين الغوغائي ذي الأفكار الميتافيزيقية السابحة في فضاء الكون، قد سبق لها أن صرحت على لسان عميلها المنفلت من عقال العقل جورج بوش، بأننا سنحكم العالم.
وعندما صرح الرئيس الروسي بوتين بهذا المعنى ربما بهدف انعاش ذاكرة شعوب العالم بتوجهات أميركا الخبيثة، وأعاد الكرة الى الهدف الأميركي... كان هذا الفعل بمثابة من قام بالضغط على ورم مؤلم ومتقيح في الجسم الأميركي، فكانت ردة الفعل الأميركية على ملاحظة الرئيس بوتين (غوغائية) فلم يتمالك غيتس كفرد في حكومة أميركا اليمينية الميتافيزيقية، أن صرح في ردة فعل بأن كلام الرئيس الروسي «كلام فظ من جاسوس قديم» وهو تعبير يدل على قمة السوقية والانحطاط الدبلوماسي.
إن مثل تلك التعابير في التعامل الدبلوماسي من قبل المسئولين الأميركان لدليل واضح على التيهان وفقدان الطريق السوي في تعاملها مع شعوب العالم... فإن شعوب العالم المتطلعة الى الحرية والاستقلال، وفي معيتها الحكومات الرافضة للعبودية الأميركية، ترحب وتبارك أية صفعة توجهها أية دولة من دول العالم إلى وجه أميركا البشع.
إقرأ أيضا لـ "محمد جابر الصباح"العدد 1624 - الخميس 15 فبراير 2007م الموافق 27 محرم 1428هـ