دار جدل كبير حول تقرير اللجنة المشتركة لمراقبة الانتخابات وموقف القوى السياسية منه خصوصا فيما يتعلق بالمراكز العامة للتصويت والتي أصرت الجهات الرسمية المسئولة على الإشراف على نزاهة العمليات الانتخابية أن تبقيها موجودة على رغم موجة الاحتجاجات سواء من الشارع المشارك في الانتخابات أو من الجمعيات السياسية أو الجمعيات الحقوقية المراقبة للعملية الانتخابية، إذ كانت تشوبها ريب وشك من البداية خصوصا مع وجود حال من انعدام الثقة بين الطرفين.
يذكر تقرير اللجنة المشتركة لمراقبة الانتخابات بأنها لم تساهم في تغيير نتيجة أي دائرة من الدوائر الانتخابية وهو طرح يختلف تماما عن طرح المعارضة أبان الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات الفائتة، إذ عبرت عن تلك المعلومة بالنكتة الموسمية إذ كيف لرئيس جمعية الشفافية أن لا يؤكد دور المراكز العامة السلبي فقط لكونه لا يمتلك دليل على ذلك على رغم أن هناك الكثير من المؤشرات الفاقعة والتي في ضوئها استندت عليها المعارضة في تحليلاتها وتفسيراتها، وكيف له أن يحلل فقط الوقائع واالحوادث دون أن يقدم تفسير منطقي لتحليلاته؟
كان حديث الشارع يشير إلى اتهامات بالجملة إلى المراكز العامة ويتخوف من الكتلة الانتخابية الجائلة، خصوصا مع تزايد وتيرة التجنيس السياسي، وخروج «وعد» من المولد بلا حمص على رغم وقوف القواعد الشعبية وتعاطفهم الكبير معهم، بالإضافة إلى فارق الأصوات في المراكز الفرعية الرئيسة والمراكز العامة، وقد أكدت ذلك النتائج الفاقعة التي اتضحت بعد أن حطت الحرب الانتخابية أوزارها وتبين من خلالها الأهداف الرئيسة التي وضعت المراكز العامة من اجلها بعد أن تم إلغاء التصويت الالكتروني للأسباب نفسها.
قبل الانتخابات كانت هناك تكهنات وتوقعات بخصوص الجدوى من المراكز العامة والتشكيك في نزاهتها، ولكن بعد النتائج بدأ الشارع يتكلم عن حقائق وأرقام رفعت من حظوظ البعض وأسهمت في إسقاط البعض الآخر، وقلبت الموازين لصالح ما تراه جهة ما تم تناولها في أحد الفضائح التاريخية في البحرين والتي لم تعالج إلى الآن، بغرض السيطرة على تركيبة المجلس في المرحلة القادمة مع مشاركة المقاطعين، والرؤى التي يتبنونها.
حاولت من خلال المراكز العشرة أن تجد الحكومة لها حلفاء ومناصرين يعينونها عند اشتداد الأزمات تحت قبة البرلمان، فما كان لها إلا أن خططت للمعركة الانتخابية وفق مرحلتين للتصفية. وفيما يلي تحليل وتفسير لبعض المؤشرات التي تؤكد تورط المراكز العامة في الإخلال بنزاهة الانتخابات بعكس ما يشير إليه تقرير اللجنة المشتركة لمراقبة الانتخابات.
صدقت نبوءة الشيخ سلمان بن صقر حين صرح بأن هناك كتلة انتخابية جائلة يقدر عددها بـ 8000 ناخب سيتم استخدامها في المراكز العامة العشرة، من أجل ترجيح كفة مترشح على آخر لصالح كتلة المؤيدين إلى الحكومة وضد المعارضة، على رغم أن البعض اعتبرها دعاية انتخابية ليس إلا.
وحتى نؤكد أن ما قاله الشيخ سلمان بن صقر حقائق، لنلقي نظرة فاحصة ولنتأمل وبصمت تام وبالأسماء ما جرى:
الأصوات التي تم استخدامها من خلال الكتلة الجائلة في الجولة الأولى ثم الثانية بحسب ما تم نشره في الصحف المحلية، إلى جانب المستفيدين بحسب الأصوات التي حصلوا عليها على التوالي هي:
غانم البوعينين (1359) رئيس جمعية الأصالة، صلاح علي (1191) رئيس جمعية المنبر الإسلامية، عيسى أبوالفتح (985) مستقل ضد الأب الروحي لوعد، خليفة الظهراني (800) مستقل ضد الشيخ سلمان بن صقر، جمال داوود (725) مستقل ضد مرشح الوفاق، عبدالحليم عبدالله مراد (706) عضو جمعية الأصالة، محمد خالد (705) عضو جمعية المنبر، عبداللطيف الشيخ (684) عضو جمعية المنبر، ناصر الفضالة (513) عضو جمعية المنبر وضد مرشح وعد، إبراهيم الحادي (423) عضو جمعية المنبر وضد مرشح الوفاق.
الجولة الثانية:
عيسى أبوالفتح ( 1546)، ناصر الفضالة (807)، عبدالرحمن النعيمي (392) الأب الروحي لوعد، إبراهيم بوصندل (243) مرشح الأصالة، عبدالحكيم الشمري (327) مستقل ضد المرشح الوطني المدعوم من الوفاق، سامي قمبر (174) مرشح المنبر الإسلامي، سامي سيادي (167) مرشح وعد، عبدالرحمن بومجيد (164) مستقل ضد الأمين العام لوعد، صلاح الجلاهمة (118) مستقل ضد مرشح المنبر، إبراهيم شريف (73) الأمين العام لوعد، عبد العزيز أبل (72) مستقل.
هذه المرة لم يفتها أن تبقي جزءا من الأصوات لمرشحيها البلديين أيضا حتى تؤثر في تركيبتها والمناصب الرئاسية فيها، فكانت الحسابات بالشكل التالي:
طارق الشيخ (292) مرشح المنبر الإسلامي، غازي الدوسري (143)، خميس الرميحي (103).
أولا: تم حساب عدد الأصوات المستخدمة في المراكز العامة بحسب الجولة الأولى كان 8091 أي أكبر بقليل من الكتلة التي تم الإشارة إليها مسبقا، ويبدو أن هناك فقط (91) ناخبا ممن احتاجوا إلى المراكز العامة للإدلاء بصوتهم، وأن البقية الباقية كانت عبارة عن كتلة موجهة لأهداف سياسية، حتى تؤكد الجهات المسئولة أنه كانت هناك حاجة فعلا إلى المراكز العامة، وتدلل من خلالها على إصرارها على بقائها، على رغم أن لا مؤشرات تبين أهميتها، خصوصا مع وجود موجة المشاركة.
لو لاحظنا كيف تم توزيع الأصوات وعلى أي أساس لرأينا أن الحسابات تمت بشكل دقيق ووفق حسابات سياسية صرفة، ونظرة فاحصة نجد أن العدد الأكبر من الأصوات في الجولة الأولى صارت من نصيب رئيس جمعية الأصالة لأهمية تواجده في المجلس القادم من الجولة الأولى لكونه رئيسا لجمعية الأصالة أحد أهم صفوف المؤيدين للحكومة، لتقليل عدد المقاعد التي سيتم تحويلها للجولة الثانية في محافظة المحرق.
الثاني بعده يأتي مباشرة رئيس جمعية المنبر الإسلامية/ تيار الاخوان المسلمين، وهو أيضا لا يمكن أن يتشكل المجلس بدونه، وليس من الحصافة أن يتم تحويله للجولة الثانية نظرا لحساسية موقعه ولتأييده وقربه من أصحاب القرار ومنافسته امرأة تنتمي إلى جمعية «وعد» مراد استبعادها.
أما الثالث (عيسى أبوالفتح) فيبدو أن هناك نية مبيتة بضمان فوزه من الجولة الأولى والتخلص من منافسة الأب الروحي لجمعية وعد، ويبدو أن الحسابات حينها لم تكن دقيقة نظرا لتشتت الأصوات بين المرشحين، أدى كل ذلك إلى تحويله للجولة الثانية ليدخل في منافسة شرسة، ولكن هذه المرة تم ترتيب الوضع والأرقام تتكلم لتفصح عما تريد، فقد حصل على (1546) صوتا من المراكز العامة ليفوز بالمقعد، وتعد هذه الأصوات هي الأكبر على مستوى الجولتين الأولى والثانية.
بخصوص توزيع أصوات الكتلة الجائلة خلال الجولة الثانية يتبين أن الأولويات تغيرت، فأصبح هناك هاجس واحد وهو العمل على إسقاط القوى السياسية المقاطعة السنية، في حين أن ما شاهدناه خلال الجولة الأولى تم ترحليهم إلى الجولة الثانية وإسقاط اثنين فقط منهم من البداية بغرض إحداث إرباك نفسي، وتبدد الحلم بعد عملية الفرز.
أغلب الأصوات اتجهت إلى المرشح الذي يقف أمام الأب الروحي لجمعية وعد، لتطيح به للحد الذي اضطروا إلى تحويل عدد كبير من الأصوات لم يتم استخدامها في الجولة الأولى على الإطلاق، ما تم قراءته من خلال المشهد السياسي والدعم الشعبي الواضح لمرشح المعارضة وتعارضه مع خطط الحكومة المستقبلية، بعدها أيضا لمرشح ضد أحد رموز وعد.
واضح جدا أن الجولة الثانية شهدت مواجهات ضارية بين رموز وعد والتيار السلفي والإخوان الموالين للحكم، فالمعركة أصبحت تقرأ معارضة قبالة موالاة، والغريب في الأمر أن بعض الأصوات اتجهت بشكل مغاير، أما بسبب وجود خلط للأوراق من باب إحداث فزعة عدم ثقة في صفوف المعارضين، أو أن الموجهين للتصويت هذه المرة حكموا قناعاتهم الشخصية على حساب الأوامر والتعليمات الفوقية التي تأتيهم، أو بغرض التشكيك في النتائج حتى لا تبدو فاقعة وواضحة وضوح الشمس، خصوصا أن التجربة ليست حكرا على البحرين وإنما على مرأى ومسمع من العالم بأسره.
الآن وبعد أنكشف المستور واتضحت حقيقة المراكز العشرة العامة هل نستطيع أن نبرأها من الاتهام في قلب نتائج الانتخابات؟، بل السؤال المستمر هو: هل سيكون للمراكز العامة وجود في الانتخابات القادمة التي ستشهدها البحرين، أم سيتم مواجهتها من قبل نواب الشعب الذين وصلوا من خلالها؟، وهل سينجح هؤلاء النواب في تمرير العمل بها مرة أخرى؟
سؤال مفتوح يحتاج إلى إجابات...
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1623 - الأربعاء 14 فبراير 2007م الموافق 26 محرم 1428هـ