من الكتب التي استحوذت على تفكيري وأعطيتها أهمية كبيرة كتاب هنري أبو خاطر وعنوانه: «من وحي تاريخ الموارنة» هذا الكتاب لاقى إقبالا شديدا عند نزوله إلى الأسواق ؛نظرا لما يتناوله من أمور مهمة وعلى رأسها تقسيم لبنان بين المسيحيين والمسلمين وهو الموضوع الجديد القديم الذي تعيشه الساحة اللبنانية ونشهده اليوم، وتطرق المؤلف إلى تنامي العلاقات في مختلف المجالات بين أركان الجبهة اللبنانية و«إسرائيل» وأن هناك شخصيات إسرائيلية تمثل جميع الاتجاهات تزور المناطق المسيحية بين فترة وأخرى وعلى وجه الخصوص ابتداء من العام 1976 إذ إن في نهاية هذا العام دخلت قوات الردع العربية إلى لبنان بعد إقرار قمة الأقطاب العربية الذي عقد في أكتوبر/ تشرين الأول 1976 في القاهرة.
هنري أبوخاطر أشار في كتابه المهم إلى أن الموارنة وهم العنصر الأهم والأقوى في الطوائف المسيحية قد أعدوا فعلا كل الدراسات المتعلقة بالدولة الجديدة التي يعتزمون إنشاءها في حالة ما إذا أقر التقسيم بين المسلمين والمسيحيين في الدولة اللبنانية وإن المعلومات تؤكد أن غلاة الموارنة أمثال: شربل القسيس وهو من أركان الجبهة اللبنانية لم يتخلوا عن عقدة التفوق والريادة لدى الموارنة ويصرون على الاحتفاظ بامتيازاتهم السياسية والاقتصادية منذ استقلال لبنان وحتى الآن أي ما يزيد على ستة عقود ، وبعض القيادات المسلمة ترى أنه لا مجال لإثنائهم عن مواقفهم المتصلبة تلك إلا أن يجابهوا بالقوة. من هنا تأتي مسئولية الدول العربية في الضغط عليهم وكثيرا ما سمعت من احتكاكي الطويل بالأصدقاء الموارنة المسيحيين أن العائلات المسيحية خصوصا الموارنة منهم، هم في الأساس عائلات ذات أصول عربية وأنهم أكثر عربا من غيرهم وإنهم حافظوا على اللغة العربية وعلى بقائها كما يزعمون وإن الجانب المسيحي يصر اليوم على ما توصل إليه من خلال مؤتمر القمة على تنفيذ اتفاق القاهرة، وأنه لن يكون هناك استقرار وأمن في لبنان إذا لم تطبق وفق تفسير أركان الجبهة اللبنانية المسيحية. الذي أثار اهتمامي أن هذه الجبهة تهاجم سورية بشكل غير مباشر وبأسلوب ظاهر ومبطن بحجة أن السوريين الذين دخلوا إلى لبنان لحمايته ونشر الأمن في ربوعه لن يتخلوا عن نفوذهم بسهولة وأن نفوذهم السياسي والاقتصادي يزداد يوما بعد يوم ومن المعروف أن الاستقرار والأمن اللذين لمستهما بنفسي هما نتيجة للوجود العسكري السوري وبدونه سيعود لبنان إلى حالته السابقة خلال الحرب الأهلية اللبنانية وإن الجانب المسيحي يرى أن اللجنة الرباعية المكونة من السعودية والكويت وسورية ولبنان لم تحقق أي شيء يذكر لذلك لابد من تعليق عملها. ومن ناحية أخرى، كثير من اللبنانيين يرون أن كل من الرئيس سليمان فرنجية والرئيس كميل شمعون وهما أعضاء في الجبهة اللبنانية عليهما أن يخففا من التدخل في السياسة ويتركا الأمر للرئيس إلياس سركيس وحكومة سليم الحص رئيس الوزراء وإن غلاة الجبهة اللبنانية يبالغون كثيرا عندما يرددون بأن أعضاء هذه الجبهة من الرؤساء السابقين وبالإضافة إلى بيار الجميل هم أقوى من السلطة الشرعية وإن أركان الجبهة اللبنانية عندما يتحدثون عن الوضع في الجنوب يوجهون اللوم إلى أبناء الجنوب من الشيعة لأنهم قد تركوا أرضهم و قراهم ولم يتمسكوا بها كما فعل المسيحيون هناك، إلا أن اللوم يوجه إلى عناصر كثيرة من المسيحيين بتعاونهم مع الاحتلال الإسرائيلي وينفي هؤلاء المسيحيون هذا الزعم ويقولون إن المسيحيين في لبنان كما المسلمين يعتزون بعروبتهم ويحافظون عليها وإنهم عرب بالتاريخ والأصالة.
من ناحية أخرى، وجدت أن الأمير فاروق أبي اللمع المدير العام الجديد للمديرية العامة للأمن العام خلال حقبة السبعينات من القرن العشرين في منطقة الأشرفية في المنطقة الشرقية من بيروت وجدته متفائلا جدا باستتباب الأمن و إنه يتعزز بشكل مرض ومطرد، وإن الإجراءات الأمنية على رغم أنها بطيئة فإنها تسير في الطريق الصحيح وذلك نظرا لتعقد الأمور السياسية وتداخلها مع الأمور الأمنية وقد شاهدت الأمير أبواللمع يتجول مع عائلته في منطقة الحمراء في المنطقة الغربية من بيروت مع أن كثيرا من المسئولين المسيحيين الذين يقيمون في المنطقة الشرقية المسيحية من بيروت يتجنبون المجيء إليها خوفا وهلعا على حياتهم من الخطر ومن الأمور التي أثارت لغطا كثيرا وفوضى المهرجان الذي أقيم في أول مايو والمتعلق بتأبين كمال جملاط والذي اغتيل في أول مارس/ آذار من 1977 وكان الخطباء والكثير منهم جاءوا من العراق واليمن الجنوبي وليبيا والدول الشيوعية يتباكون على الحرية المذبوحة في لبنان وحماية الجماهير اللبنانية على حد قولهم من القمع والاضطهاد وأخبرني أبواللمع أن هذا المهرجان كان مظاهرة سياسية أكثر منه تأبينية في الفقيد كمال جنبلاط وقد استفاد منها الفلسطينيون واليساريون في لبنان، وقال: إن قادة الفلسطينيين يطلبون المزيد من الحرية الصحافية والإعلامية ويهم السلطات اللبنانية ألا يستغل الفلسطينيون حرية الصحافة المتاحة في البلاد لتحقيق أغراض شخصية تسيء إلى أمن لبنان واستقراره وازدهاره وأن السلطة في لبنان تحارب أي نشاط سياسي ضد لبنان أو ضد البلاد بشدة وإننا سوف نطالب المعاملة بالمثل في دخول أفراد الدول العربية والأجنبية إلى لبنان وأنه لابد من تقييد حرية الصحافة وأن تكون فاعلة ومسئولة في البلاد التي كلفت لبنان في السابق ثمنا باهظا وإنه من المحزن أنه قد سرقت جوازات لبنانية كثيرة حيث تستغل من قبل أعداء لبنان في استعمالها في أعمال الاغتيالات وأمور إجرامية أخرى يدفع لبنان ثمنها من سمعته وازدهاره.
إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"العدد 1623 - الأربعاء 14 فبراير 2007م الموافق 26 محرم 1428هـ