العدد 1622 - الثلثاء 13 فبراير 2007م الموافق 25 محرم 1428هـ

لبنان في مواجهة الأزمة المفتوحة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حادث التفجير الذي استهدف أمس حافلة ركاب على طريق بلدة بكفيا في المتن الشمالي يؤكد أن الأزمة المفتوحة في لبنان باتت عرضة للمزيد من التوتر الأمني. فالحادث إشارة سيئة في بلد يحتشد اليوم في ساحات بيروت في الذكرى الثانية لجريمة اغتيال رفيق الحريري. فمنذ الجريمة لايزال لبنان يعيش آثار ذاك اليوم الذي عصف بالسلم الأهلي ودفع بالبلد إلى حال من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي. وحادث أمس واحد من عشرات الجرائم والتفجيرات والاغتيالات التي حصلت في بلاد الأرز خلال فترة السنتين الماضيتين. ويرجح أن يكون الحادث ليس الأخير من نوعه، وهناك مخاوف أن يدخل البلد في سياق متدهور في حال لم تتوصل الأطراف إلى صوغ اتفاق مرحلي ينهي تلك المشكلات التي تعطل إمكانات الحل. وبما أن إمكانات الحل غير متوافرة الآن فالمنطق يدفع نحو البحث عن تسوية مؤقتة تضمن على الأقل عدم ذهاب الأزمة نحو الانفجار.

التسوية المؤقته تتطلب تدخل القوى العربية والإقليمية المعنية مباشرة أو مداورة بالمسألة اللبنانية في اعتبار أن الملفات المطروحة على جدول الأعمال ليست لبنانية بالكامل وإنما هي نتاج أو تفرعات موصولة بالمحيط الجغرافي والفضاءات السياسية الدولية.

المشكلة في لبنان أن وضعه الداخلي حساس وهو دائما يعكس تلك التوترات الإقليمية بسبب تركيبه الاجتماعي/ الطائفي المعطوف على امتدادات مذهبية وسياسية عابرة لحدوده. وهذه الخصوصية شكلت في مختلف المراحل تلك الخيوط التي تشد وتجذب القوى المحلية إلى محاور إقليمية وتقاطعات عربية ثنائية أو ثلاثية. وهذا ما بدأ الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى يشتغل عليه من خلال زياراته واتصالاته المتكررة بالعواصم الإقليمية والدولية. وكل كلام خارج هذه الدائرة مجرد إضاعة للوقت لأنه يهدر الطاقات ويعطل على اللبنانيين فرص قطع الطريق على القوى المستفيدة من الفوضى وعدم الاستقرار. والمقولة التي تراهن على معادلة «ليتفق اللبنانيون مع بعضهم ونحن نوافق على أي حل يتوصلون إليه» ساذجة في منطقها، لسبب بسيط وهو أن اللبنانيين من الصعب ان يتفقوا على حل. ومن يراهن على هذا الاحتمال فمعنى ذلك أنه لا يريد أن يساعد البلد على حل.

المشكلات في لبنان أكبر من مساحة البلد الجغرافية. مثلا الخطر الإسرائيلي دائم واحتمالات تجدد العدوان واردة, وإمكانات التصدي تحتاج إلى دعم وتغطية ومساعدة دولية وإقليمية تبدأ من توسيع الجبهة العربية وتنتهي في إعادة بناء استراتيجية عسكرية إقليمية عربية تساهم في تحقيق ذاك التوازن المطلوب في مواجهة اطماع الدولة العبرية. فالمشروع التقويضي الأميركي - الإسرائيلي لا يستهدف لبنان فقط وبالتالي فإن امكانات النجاح لمواجهة ذاك المشروع تتطلب سياسة عربية مضادة تتجاوز حدود هذا البلد الصغير. والمشاركة العربية - الإقليمية في مواجهة مشروع التقويض تخفف عن لبنان وطأة ثقل المسئولية وتساعده على تجاوز المحن المتكررة.

الجريمة تدولت

جريمة اغتيال الحريري أيضا لم تعد لبنانية بالكامل على رغم أن مسرح الحادث وقع في بيروت. فالجريمة تدولت، وبات موضوع التقصي والتحقيق في دائرة أوسع. ولم يعد بالإمكان السيطرة على المسألة من دون مشاركة الكثير من الأطراف المعنية بتداعيات الجريمة. حتى موضوع «المحكمة ذات الطابع الدولي» أصبح له امتداداته الإقليمية لكونه يتجاوز حدود البلد الصغير. وما ينطبق على مواجهة مشروع التقويض وتداعياته، والمحكمة وامتداداتها، ومسلسل الاغتيالات، وتلك الجرائم المستمرة يمكن سحبه أيضا على مختلف المشكلات الأخرى بما فيها تشكيل حكومة جديدة أو إجراء انتخابات نيابية مبكرة أو عقد دورة برلمانية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

كل هذه العناصر المكونة للأزمة اللبنانية الراهنة هي مزيج مركب من مواد محلية وخامات إقليمية وعربية ودولية. فهذا البلد دخل منطقة التدويل منذ ارتكاب ذاك الخطأ الدستوري الذي قضى بتعديل مادة وحيدة للتمديد للرئيس أميل لحود. وبذريعة التفكير في التمديد توافقت الدول الخمس الكبرى على إصدار القرار 1559 الذي شكل دفعة أولى لوضع لبنان تحت الرقابة الدولية وتوريطه خطوة خطوة في مشروع عام يتجاوز حدوده وإمكاناته. فهذا القرار كان بداية. ومن تلك البداية بدأت حلقات التوتر تتوالى إلى أن وقعت تلك الجريمة الكبرى منذ سنتين وتبعتها مجموعة اغتيالات كانت كافية لجرجرة البلد من ساحة إلى ساحة تحت سقف دولي وسلسلة انقسامات محلية وأهلية.

اليوم تمر الذكرى الثانية لجريمة الاغتيال وحتى الآن لاتزال الاتهامات والإشارات تتجه نحو زوايا متعارضة. فكل طرف ينفي مسئوليته ويلصق التهمة بطرف آخر. وكل فريق يظهر أنه الأحرص على معرفة الجهة الفاعلة والطرف المنفذ ويتهم غيره بأنه يعطل التوصل إلى تفاهم بشأن طبيعة المحكمة وموقعها ودورها. وهذا الاختلاف يؤكد أن موضوع المحكمة تجاوز حدود البلد وربما يتحول إلى مركز يستقطب الناس على خطوط تماس أهلية تؤدي في حال اشتعالها إلى نوع من الفوضى الأمنية تشبه تلك السائدة في العراق. وما حصل أمس على طريق بكفيا يعتبر إشارة سلبية في هذا السياق المدمر.

لبنان اليوم يدفع ثمن تهرب غيره من المسئولية، كذلك يعاقَب على مهمات عربية وإقليمية تحتاج إلى توافق عام بشأنها. فالمواجهة مع «إسرائيل» تحتاج إلى إمكانات وساحات ولا يكفي اختزالها في دائرة صغيرة تعرضت للكثير من الحروب والاعتداءات والضربات، وباتت عرضة للانقسام الداخلي والتفكك الأهلي. فالقدرة على التحمل فاقت قدرات هذا البلد الصغير وبات على الدول العربية والإقليمية أن تتحرك لمنع انهياره من شدة الضغوط.

حادث أمس الذي تصادف مع الذكرى الثانية لجريمة الاغتيال يؤكد أن أزمة لبنان باتت مفتوحة على احتمالات شتى إذا استمرت الطرقات العربية والإقليمية والدولية مقفلة من كل الجهات. وفي حال استمر الوضع على حاله لا يستبعد أن يدخل البلد في مشروع آخر ليس بعيدا عن سياسة التقويض.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1622 - الثلثاء 13 فبراير 2007م الموافق 25 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً