العدد 1621 - الإثنين 12 فبراير 2007م الموافق 24 محرم 1428هـ

كم من حرب أهلية يحتاج لبنان ليتعلم الدرس؟

حسن أحمد عبدالله comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تراوح الأزمة اللبنانية مكانها منذ العام 1975، اذا جاز لنا التعبير، فلا الحرب الأهلية ولا سلسلة الاحتلالات الإسرائيلية، ولا القوات الدولية المتعددة الوجوه والخوذات، ولا الدول التي ضخت ملايين الدولارات لتتقاتل بالوكالة في أزقة بيروت، ولا الأحزاب اللبنانية، ولا أي قوة في العالم استطاعت أن تزحزح هذه الأزمة من مكانها، وعلى رغم الذي تحقق في «اتفاق الطائف» الذي قلنا عنه في العام 1989 إنه «منصة للسلم الأهلي» و «هدنة طويلة من اجل بلورة حل للازمة»... على رغم كل ذلك بقيت الأزمة اللبنانية في المأزق الذي أوصلتها إليه المؤسسات الدينية وغير الدينية صاحبة القرار الفصل في الحل والعقد.

يعتقد الكثير من اللبنانيين أن الحل للمشكلة الحالية يكمن في الاتفاق على المحكمة الدولية وعلى إجراء انتخابات رئاسية وقبلهما تشكيل مجلس وزراء وحدة وطنية، وأن ذلك سيؤدي إلى انفراج كبير يعيد لبنان إلى الاستقرار الذي كان عليه قبل زلزال الرابع عشر من فبراير/ شباط العام 2005 أي عند اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، لكن السؤال الواجب طرحه في هذا الخضم هو: هل كانت الأحوال اللبنانية على خير مايرام قبل اغتيال الرئيس الحريري؟

لبنان قبل ظهر 14 فبراير 2005 هو ذاته لبنان الآن مع فارق أن اللاعبين الرئيسيين خرجوا من خلف الكواليس وانكشفت الوجوه، فالصراع الآن يدار عبر المؤسسات الطائفية ذاتها وليس بالوكالة.

الغريب في الأمر الراهن أن مشكلة استقالة بضعة وزراء تحولت فجأة إلى مشكلة مذهبية وبات التهديد بين القبول بمجلس الوزراء الحالي أو الذهاب إلى الحرب الأهلية، واعتبرت بعض المرجعيات الدينية أن استقالة مجلس الوزراء تعتبر جريمة في حق طائفة، في وقت اعتبرت مرجعيات أخرى أن المس بموقع رئاسة الجمهورية (على رغم معارضة هذه المرجعيات للرئيس الحالي ومطالبتها إياه بالاستقالة) مس بطائفة كاملة، كما اعتبرت مرجعيات أخرى أن عدم الرضوخ لمطالب فئة سياسية هو مس بالطائفة، وكأن مؤسسات الحكم في لبنان هي ممثليات لهذه الطائفة أو تلك.

الخطاب السياسي الحالي للقوى اللبنانية كافة مخالف في الأساس والشكل للدستور وللمنطق الطبيعي للدولة، وقبل هذا وذاك هو مخالف للحق الطبيعي للمواطن في العيش الكريم، أي في الجوهر أن المنطق السياسي الطائفي الحالي يخالف العقائد السماوية كافة، لأن العقائد أجمعت على حق الإنسان في حياة حرة كريمة وغير قلقة وحرمت قتل النفس بغير حق، فهل هو حق قتل النفس لأسباب سياسية بحتة، أكان ذلك عبر الافقار والتجويع أو عبر الرصاص والحرب الأهلية؟

لقد عبر عن ذلك خير تعبير المفكر اللبناني المطران جورج خضر في مقال له بعنوان «تسييس الله» نشرته «النهار» البيروتية قبل أيام، وقال فيه إن «من الخطأ أن تحتكر طائفة الله لها»، إذا كان رجل الدين هذا رفض تسييس الدين وربط كل تحرك سياسي بالطائفة أو الدين، فلماذا لا تسلك المرجعيات الدينية اللبنانية كافة مسلك الرجل وترفع يدها عن السياسة وتترك هذا الأمر للسياسيين بدلا من التهديد والوعيد الذي تخرج علينا به المرجعيات الطائفية بين الحين والآخر؟

منذ أيام قليلة قال احد المراجع الدينية في لبنان «هل أحمل العصا ليتوحد السياسيون من ابناء الطائفة؟».

منذ العام 1975 ونحن في لبنان نسمع الشعارات الطائفية ذاتها، وفي الوقت الذي كانت الطائرات والدبابات الإسرائيلية تدك البلاد من الشمال إلى الجنوب كانت المماحكات الطائفية تفعل فعلها، لا بل إن بعضها استقوى بهذه الدولة أو تلك من اجل الاستقواء على ابناء الطوائف الأخرى، وذهب صراخ الدم أدراج الرياح وكأن الذين قتلوا في لبنان في معارك حمامات الدم والدمار الداخلي كانوا بلا أحلام وبلا حق في الحياة مثل جميع المرجعيات الطائفية التي تتحكم في رقاب العباد!

السؤال الذي لا يغيب عن البال أبدا: كم من مئة ألف قتيل يحتاج هذا البلد الصغير ليخرج من عنق الأزمة التي اندلعت شرارتها الأولى في القرن التاسع عشر ولاتزال نارها تستعر حتى الآن؟

فلم يتعلم اللبنانيون من مجازر العام 1804 والعام 1860 ولا من الحرب التي اندلعت في العام 1975 وما شهدته من مجازر لا يمكن للعقل أن يستوعبها، ولم يتعلموا من وطأة الدين العام المتراكم يوميا الذي اوصل البلاد الى حافة المجاعة، ولا من الهجرة التي تحصد يوميا بضعة آلاف من الشباب اللبناني، فمتى يستفيد لبنان من الدروس؟

مرة يتفق اللبنانيون على أن المقاومة فعل مقدس ومرة يختلفون عليها، وفي أحيان تنتاب الطاقم السياسي ما يشبه صحوة الضمير، فيرثي جميعهم الحال اللبنانية التي وصلت إلى حافة الانهيار، وفي أحايين كثيرة يرمون البلد كله خلف ظهرهم وتصبح مطالبهم اكبر من لبنان ومن مصيره، وكأن الأمر لا يعدو كونه «صراع الضرائر» أو «مماحكة أولاد في زقاق»، بينما البلد يتجه إلى الدمار.

ألا يستدعي ذلك التأمل بهذه الحال المزرية المستمرة منذ العام 1975؟ وهل توقف الزمن في لبنان عند 13 أبريل/ نيسان 1975؟

نحن في أجواء الذكرى الثانية لاغتيال الرئيس الحريري ولاتزال المشكلة بلا حل، فكم من ذكرى لاستشهاد الرجل نحتاج لحل المشكلة؟ وكم من حرب أهلية نحتاج إلى أن تدرك المؤسسات الطائفية أن الدستور اللبناني، وعلى رغم قوله بتوزيع وظائف الفئة الأولى بين الطوائف الكبرى، فإنه قال بلبنانية الوظيفة وبالمسئولية الوطنية للموظف؟

أي أن الدستور يقول إن التمثيل الطائفي ينتهي عند حدود اختيار الموظف ويصبح حين ممارسته وظيفته موظفا عند لبنان وليس عند طائفته.

العدد 1621 - الإثنين 12 فبراير 2007م الموافق 24 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً