لقد استحوذ هذا الموضوع كثيرا على السلطة اللبنانية وعلى رأسها الرئيس سركيس طالما أن هناك أسلحة ثقيلة أو خفيفة لدى الفلسطينيين أو لدى المليشيات المسيحية والإسلامية و ان رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية في لبنان تريد بيئة مستقرة فيها الأمن مستتب ويأتي على رأس هذا الموضوع الأمن والانضباط في المخيمات الفلسطينية في المنطقة الغربية كـ «صابرا وشاتيلا» وهي بؤر متفجرة وتأوي عناصر غير منضبطة أو مسئولة وان هناك اتفاقا مع الجانب الفلسطيني على تشكيل حرس فلسطيني يحافظ على استتباب الأمن في المخيمات ويكون قوامه 5000 عنصر فلسطيني من بين سكان المخيمات وتحت سلطة جهاز الأمن الفلسطيني الكفاح المسلح، إذ كان الجانب اللبناني الحكومي ضد وجود أي تسلح فلسطيني كثيف داخل المخيمات.
وقد قام الفلسطينيون فعلا بتطبيق ما اتفقوا عليه عن أمور الضبط والأمن داخل تلك المخيمات إلا أنه لم يتوصل إلى حل جذري يتعلق بمجمل التفاصيل والحكومة اللبنانية بإمكاناتها الأمنية المحدودة لا تستطيع الإشراف الكلي على تلك المخيمات وجعلها خاضعة للسلطات اللبنانية، من ناحية ثانية اشتكى الفلسطينيون من تجاوزات قوات الردع أثناء قيامها بالمداهمات، إلا أن رئيس الجمهورية الرئيس سركيس يرى أن طبيعة عمل قوات الردع وهي تقوم بعملها المتعلق بالمداهمات والبحث عن المطلوبين ضد القانون وجمع الأسلحة يتطلب السرية التامة في التحركات لذلك لابد أن تترك حرية الحركة لقوات الردع في الزمان والمكان اللذين تحددهما، كما أن المليشيات المسيحية قد طلبت من قوات الردع إخبارهم بأية مداهمات جديدة وإذا تركنا هذا الموضوع المهم وتطرقنا إلى عالم السياسة وما يكتنفه من مناورات رئيس الوزراء السابق صائب سلام، نجده لا يكف عن الهجوم على رئيس الوزراء اللبناني الرئيس سليم الحص ذي التوجه التكنوقراطي وأن وزراءه تنقصهم الدربة السياسية.
وأخذت هذه النغمة تظهر في صحافة الكتائب والأحرار المسيحية بحدة شديدة وهي في الواقع مظاهرة تأييد للرئيس سلام، ويحرص الرؤساء المسيحيون دائما في الضغط على رئيس الوزراء المسلم لكي يحققوا مطالبهم المختلفة، علما بأن الرئيس الحص يحظى بدعم قوي من رئيس الجمهورية الياس سركيس وهو رجل إصلاحي مخلص مثل الرئيس فؤاد شهاب يريد إخراج لبنان من مستنقع الفوضى السياسية والأمنية، كما أن الشارع الإسلامي يقف مع الرئيس الحص.
لاحظت أثناء لقائي بصائب سلام وكذلك غيري من الدبلوماسيين أنه لا يكف في مجالسه عن المناورات السياسية وعن مهاجمة المفتي حسن خالد متهما إياه بتدخله في السياسة والتقصير في أداء رسالته الإسلامية لدرجة أن هجومه هذا قد أصبح مجال تندر الجماعات الإسلامية وسخريتهم، كما أنه دائم الهجوم على رئيس وزراء لبنان السابق رشيد الصلح وغيره من رؤساء الوزراء السابقين كرشيد كرامي، والنتيجة أن الزعامة الإسلامية منقسمة على نفسها وتعيش في خلافات وتطاحن مخيف وخطير وإنه لا توجد قيادة اسلامية قوية قادرة على إجراء الحوار مع الجانب المسيحي المتماسك القوي.
وإذا تركنا التطاحن بين القيادات الإسلامية نجد أن هناك خلافات بين القيادات العربية وهي تتصارع في الساحة اللبنانية وأن العراقيين ينفقون مبالغ كبيرة على أعوانهم السياسيين اللبنانيين، اذ يقومون بتأييد جماعات الرفض والتصدي نكاية بسورية وليس حفاظا على لبنان وذودا عن أمنه واستقراره.
في المقابل كان السوريون يلوحون دائما بأنهم عاقدوالعزم على اقتحام المخيمات في أقرب وقت ممكن لذلك تبدو المجابهة قائمة بين الفلسطينيين والسوريين في لبنان.
من الأشياء المضحكة أن سوريا آنذاك كانت تدعم الرئيس تقي الدين الصلح بقصد إخراجه من دائرة النفوذ العراقي لأنه أحد وزراء لبنان السابقين المحسوب على العراقيين هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى بذلت سورية مساعٍ كبيرةٍ من أجل المصالحة الوطنية بين المفتي حسن خالد وصائب سلام وبينه وبين الإمام موسى الصدر ومن الأشياء اللطيفة أن ليبيا تحاول بدورها آنذاك إثارة القلاقل في جنوب لبنان من خلال دعمها لجماعات الرفض إذ تدفع أموالا طائلة في هذا السبيل بقصد خلق المتاعب في وجه السوريين وهم القوة السياسية والعسكرية الأكبر على الساحة اللبنانية.
من الأشياء التي لفتت نظري أن السعودية كانت تدعم الرئيس صائب سلام وهو يعتبر حجة في فهم ما يدور على الساحة اللبنانية من تطورات سياسية كما أود أن أشير هنا الى أن الحكومة الأردنية تتحمل مسئولية بناء جهاز الأمن اللبناني وأنه قام بتزويد قوى الأمن بالأسلحة وسائر المستلزمات الأمنية المطلوبة، وخلال عملي في لبنان حرصت كل الحرص على تقوية علاقاتي مع مستشار السفارة البريطانية السيد هونكوك وهو يجيد اللغة العربية نطقا وكتابة ووجدته صاحب فكاهة ونكتة ويطلق على معهد شملان معهد الجواسيس الإنجليز في الشرق الأوسط وقد أحب لبنان ولا يفضل تركها على رغم التدهور الأمني السائد على ساحتها، مع العلم أن السفارة البريطانية كان لديها اطلاع كامل بكل الخفايا السياسية على الساحة اللبنانية، وأن الأمريكيين في تحركاتهم السياسية يعتمدون على رأي و خبرة الساسة الإنجليز القديمة في المسألة اللبنانية بل وفي قضايا المنطقة العربية السياسية والثقافية والاجتماعية، ولاحظت في تلك الفترة أنهم يحاولون إحياء معهد شملان ودعمه وتعزيزه وقد زرته مرة واحدة. وهذا المعهد في الأصل كان في فلسطين وقد نقلوه بعد إقامة دولة «إسرائيل» العام 1948 إلى لبنان ولازلت أذكر أنه عندما كنت في طهران في أغسطس/آب من العام 1980 دعانا السفير البريطاني (أقصد رؤساء البعثات الخليجية الدبلوماسية) كل على حدة وقال إن لدى السفارة البريطانية وأجهزتها السياسية والأمنية توقعات شبه أكيدة بأن الحرب العراقية الإيرانية قد تنشب خلال تلك الفترة وكلنا يذكر أن هذه الحرب قد اشتعل أوارها في 22سبتمبر/ايلول1980 وكنت من الدبلوماسيين الذين غادروا طهران قبل نشوب الحرب بشهر واحد.
إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"العدد 1620 - الأحد 11 فبراير 2007م الموافق 23 محرم 1428هـ