العدد 1614 - الإثنين 05 فبراير 2007م الموافق 17 محرم 1428هـ

اقتتل الفلسطينيون... قرب التحرير

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

كنت أظن مع جيل كامل من المتابعين العرب أن الفلسطينيين عندما يحصلون على قطعة ولو صغيرة من أرضهم سيقيمون عليها جنة الديمقراطية العربية الموعودة، لا لشيء إلا لكثرة ما عانوه من تشرد واضطهاد في بقاع الأرض التي انتشروا فيها وعلى أرضهم، فلم يعانِ شعب لا من حيث الحجم ولا من حيث استمرار الزمن كما عانى الشعب الفلسطيني. انتعشنا أخيرا بأخبار مثل هذه على الصفحات الأولى من الصحف العربية والعالمية وعلى شاشات التلفزة تقول: «تبادل الأسرى بين حماس وفتح» أو «خمسون قتيلا في صدامات شوارع بين الجهاد وبين جند السماء الفلسطينيين». يا لها من أخبار مفرحة لكل من له علاقة بالفكرة الصهيونية القائلة إن العرب بينهم وبين الديمقراطية قرون طويلة حتى يصلوا إلى عتباتها وبالتالي بينهم وبين بناء الدولة فراسخ طولية وعقبات كأداء. المضحك المبكي أن عدد بيانات الإخوة الفلسطينيين التي تبشر «بوقف إطلاق النار» بين الفصائل، هي في نفس عدد الضحايا التي تسقط من جراء اختراق تلك البيانات.

الفلسطينيون حتى في حال أسوأ من إخوتهم في لبنان، ففي لبنان اقتتال الإخوة قد يكون له مهرب نهائي، كما بين أخيرا الاستفتاء الإلكتروني في صحيفة «السفير» البيروتية، فقد طالب أكثر المتدخلين في خيارات ثلاثة: العودة إلى طاولة الحوار، الحل العربي، أو الذهاب إلى كونفدرالية، تبين أن غالبية المتدخلين يفضلون الأخيرة (كونفدرالية الطوائف اللبنانية) في الحال الفلسطينية، حتى هذا الخيار المر غير متاح للشعب الفلسطيني، فما لهم غير أن يقبضوا على رقبة بعضهم حتى «إزهاق الروح الوطنية» إن بقي منها شيء.

محمود عباس في دمشق يصالح رئيس حماس، ورئيس حماس يفطر على المناقيش ويرسل أبناءه إلى المدرسة، في الوقت الذي يتضور الطالب الفلسطيني من الجوع في المخيمات الداخلية ولا يجد له مقعدا في مدرسة، وإن وجد هذا المقعد فإن نقاط التفتيش الإسرائيلية تجعله يصل عتبات المدرسة بعد الظهر.

لا أفهم هذا التجاذب العدمي والمخجل ولا يفهمه أي عاقل إلا من خلال التفسير الوحيد، كون الصراع هو صراع بصريح العبارة على كراسي الحكم، والذي هو أصلا شبه حكم، كونه تحت الاحتلال الإسرائيلي. فما هذه العبثية، رجال ملثمون يهددون على الفضائيات، وشوارع خالية، واتفاق على التهدئة ما يكاد يعلن حتى يخترق.

ولا يستطيع عاقل أن يبرئ الأطراف كلها من فتح إلى حماس إلى الجهاد إلى فروع الابوات الفلسطينيين وأصحاب الدكاكين السياسية من تهمة التكالب على السلطة «المؤقتة والهشة» في ارض فلسطينية التي يملأها الفقر والحاجة والتشرد ويحوم حول أفقها متى ما أراد الاحتلال.

كل ما قيل عن فعل الخارج المعادي، فإنه لا يبرر هذا الاقتتال الدامي في شوارع غزة أو مدن الضفة أو في حواري المخيمات الفلسطينية التي يملأ بقايا ماء المطر الشتوي مجاريها المفتوحة.

على ماذا يقاتلون بعضهم لا أحد يمكن أن يجيب على هذا السؤال؟

قبل عام تقريبا نشر الكاتب في هذا المكان مقالا بعنوان «هل ثمة مأزق أمام حماس» مطلعه هذا النص: «صديق فلسطيني من أهل فتح القدماء قال لي مستغربا إن الأصدقاء في حماس تبين أن شراهتهم للسلطة أكثر من دأبهم على «التحرير» حتى لو أخذنا ذلك التعليق بالكثير من الاحتراس كونه صادر من أحد «حمائم فتح» فإن المتأمل في سلوك حماس» الحكومي» يرى أنها قد غاصت في التفاصيل من دون أفق مرجو للخروج من الأزمة المستحكمة»، وبعد عام من ذلك النص يبدو أن الجمع الفلسطيني قد غاص في التفاصيل، فتارة يجري الحديث عن «انتخابات مبكرة» وتارة عن «حكومة وحدة وطنية» وثالثة عن «اتفاق لوقف استخدام السلاح» وكل هذه التفاصيل تكذبها في اليوم التالي حوادث الواقع في الشارع الفلسطيني.

أرى أن «الإخوة الأعداء» ينزلقون إلى «حرب أهلية» حقيقية في صراعهم على السلطة الهشة أصلا، وهو داء عربي إن جاز لبعض العرب في أوطانهم الانزلاق إليه وكان لديهم المساحة التي تتيح لهم فعل ذلك، فإنه بالتأكيد خطيئة فادحة في الموضوع الفلسطيني.

أولا، هناك كثير من أولي التعاطف الذين يعرفون ويؤمنون بعدالة القضية سيصلون إلى مكان ما من اليقين أن أمراض الساسة الفلسطينيين هي كأمراض زملائهم العرب في حروب «البسوس الحديثة» لا يرغبون ولا يستطيعون الوصول إلى نهايات لها. حذر البعض من أن تصيب أمراض فتح حماس، وها هي العدوى ظاهرة، فبين قيادات حماس الكبيرة والمتوسطة ما يفيد أن حماس أكثر من فرع وأكثر من زعيم «مستقل» على عشائر مسلحة، وبهذا تفقد القضية كثيرا من حماس الخارج لأن أهلها لا يريدون أصلا وضعها في أولوية أعمالهم، قبل السلطة وقبل الاستحواذ.

ثانيا، لا يريد أن أحد أن عترف بأن مشكلة الفلسطينيين السياسية هي «اختلاف في منهج التحرير» فلا حماس قادرة ولا فتح على تجاهل المنظومة الدولية وآلياتها. فكلاهما سيخضعان لتلك الآلية عاجلا أو آجلا، وما قرارات اللجنة الدولية الرباعية التي عقدت أخيرا، إلا تأكيد على ذلك المنحى.

وأخيرا، فإن افتقد الفلسطينيون الرغبة والقدرة على التوافق، لا تستطيع أية قوة أخرى سواء كانت مصرية أو سعودية، مهما حسنت النيات وصدقت، أن تزرع فيهم تلك الإرادة الوطنية التي تجعلهم يرون ضخامة قضيتهم التي يراها الجميع، ويعمى عنها سياسيو فلسطين الذين يهددون بعضهم بالتصفية.

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1614 - الإثنين 05 فبراير 2007م الموافق 17 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً