العدد 1614 - الإثنين 05 فبراير 2007م الموافق 17 محرم 1428هـ

عبدالله فخرو... والكلمة المرة!

فوزية مطر comments [at] alwasatnews.com

ليست هذه هي الذكرى السنوية لرحيل المناضل عبدالله فخرو، فقد مرّت الذكرى قبل أشهر، ودخلنا مرحلة ما بعد عبدالله فخرو.

عبدالله فخرو (ره) مرّ كالطيف... وعلق بذاكرة الوطن، بعد أن شبع عذاباتٍ في حبّ ناسه وأهله ومواطنيه.

مشكلة عبدالله فخرو أنه كان يتكلّم في زمن الصمت، وكان يسمو على «سقف» الحريات آنذاك؛ ولذلك كان يصطدم كثيرا بسلّة القوانين. ومشكلة الوطن أنه لم يكن يريد أن يستمع إلى عبدالله فخرو آنذاك؛ ولذلك وُضع على قائمة «المشاغبين»، وكثيرا ما كان يُقتاد إلى أحد السجون العامرة في عهد «أمن الدولة»، فالحجز هو أفضل طريقةٍ لعزل «المشاغب» عن محيطه الاجتماعي؛ ليتكفّل التعذيب النفسي والتضييق الجسدي وتكالب الأمراض القضاء على روحه وهو حي.

يوم كان فخرو يتكلّم، كان الكثيرون يتهمونه بالجنون، ولم يكن الرجل يتكلم إلاّ عن الفساد والمفسدين ومتجاوزي القانون. القانون الذي يطارده حينما يتكلّم، ولكنه يعجز عن مطاردة المتورّطين بقضايا مالية وسرقة مال عام وتحوم حول ذممهم الشبهات. واحتاجت البحرين إلى المرور بفترة انفتاح سياسي وتأسيس صحافة وطنية مستقلة حتى يمكن طرح بعض ما كان يطرحه عبدالله فخرو على الرأي العام.

يوم كان فخرو حيّا بيننا، كان الكثيرون يتهمونه بالجنون، بمن فيهم بعض أباطرة الصحافة، فكيف يجرؤ هذا العجوز ذو اللحية البيضاء كالقطن، على أن يتكلّم ويرفع صوته في موضوعات من النوع المحرّم؟ ولكنه في المقابل، كان يعبّر عن أصوات الكثيرين، ممن تقمعهم القوانين ولكن لا يملكون الجرأة على رفع صوتهم أو مناقشة ما كان يتجرأ على طرحه.

يوم كان فخرو حيّا، كان الكثيرون يتحاشونه؛ خوفا من أن يُتّهموا بإحدى التهم التي كانت توزّع بالمجان: تشكيل خلية، أو محاولة قلب نظام الحكم أو التخابر مع دول أجنبية! وكان من السهل «تدبير المستمسكات»، فلسانه لم يكن يتوقف أو يتعب. أما يوم رحل عن الدنيا، فقد ترك ثلمة لا يسدّها من لم يوطّن نفسه على قول الحق وتحمّل المكروه في سبيل أن يقول كلمته ويمضي.

عبدالله فخرو (ره) كان ضيفا دائما على السجون قبل فترة الانفراج السياسي؛ بسبب مواقفه. ولأن التقارير «الأمنية» آنذاك كانت تصنّفه على أنه «شخص خطير» على الوطن وعلى تقدمه وعلى استقراره؛ فلذلك كانوا لا يخلطونه مع السجناء السياسيين الذين كانت تزدحم بهم أقبية السجون من مختلف أطياف المعارضة. كانوا يتركونه عمدا مع السجناء الجنائيين، وبينهم القاتل ومهرّب المخدرات وأصحاب السوابق... إمعانا في ممارسة الضغط النفسي عليه. وكان الرجل يتأقلم مع المحيط ويصبر على وعورة الطريق، فما أصعب كلمة الحق أن تُقال في زمنٍ يكثر فيه مؤثرو الصمت؛ خوفا أو تغليبا للغة السياسة أو الحكمة أو العقل.

بعد رحيل الرجل الوقور، قرأنا مقالاتٍ كثيرة تمتدحه، نُشرت في صحفٍ كانت تطرده حين يذهب إليها ليعبّر عن وجهة نظره في حوادث وطنه ومآسيه.

عبدالله فخرو كان شاهدا على عصره، وابنا بارا لوطنه، الذي كثيرا ما يصمّ أذنيه عن سماع كلمات الحق المرّ.

إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"

العدد 1614 - الإثنين 05 فبراير 2007م الموافق 17 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً