غريب ما هو جارٍ على الساحتين العربية والإسلامية، وغريب تصرف معظم شعوب هذه المنطقة، وبالذات العربية الغنية منها والفقيرة. فكلهم منقادون بمحض إرادتهم إلى الهاوية بسبب منتج الفتنة الحديثة التي أصبحت رائجة بكل المقاييس، وخصوصا لتجار الأسلحة وشذاذ الطرق. تلك هي النتيجة الحتمية وإفرازات القبول، على حساب عزة النفس، بالذل والمهانة والاستكانة للضعف تحت مظلة الحماية الأجنبية.
لقد أصبح القائمون على الشئون السياسية بالبلدان العربية والإسلامية أشداء على بعضهم، رحماء بأعدائهم. وبهكذا تصرف تساقطت أغصان الدول الزاهرة الواحدة تلو الأخرى، وهاجرت أطيارها إلى الخارج، أو إلى العالم الآخر. والأسوأ قادم.
الكل يعلم أن المفاعل النووي الإسرائيلي لم ينشأ لحماية الدول الإسلامية. والكل يعلم كذلك أن الدولة الإسلامية الإيرانية لم تنشئ مفاعلها النووي من أجل مهاجمة الدول العربية، التي على رغم ثرواتها الهائلة جعلت من نفسها أضعف من أن يستعمل لها مثل هذا السلاح لقهرها إنما أنشأته لحماية نفسها.
الغريب كذلك أنه كلما زاد وأوغل الأميركان في البطش بالمسلمين والعرب بالذات، ازداد عداء العرب لبعضهم بعضا، أو للدول الإسلامية الأكثر قوة منها، وسهلوا للأجنبي احتياجاتها وتدميرها، وكأنما كتب عليهم أن يخربوا بيوتهم بأيدهم، ويظلوا أسرى ضعفهم وأسرى الفتنة التي يصنعها أعداؤهم، وتبيعها داخل كل وطن أكشاك الفتنة المستوردة. تؤمن لهم الأرباح الآنية وللمصنعين ضمان السيطرة الدائمة على مقدرات وقرارات الأمم.
في السابق كان لألمانيا الهتلرية النمط الأميركي الحالي نفسه، وبعد بتر ذلك الورم الخبيث انتشرت عدواه إلى الدول التي استأصلته. وكلما ضعف ورم إحدى تلك الدول ازدادت الأخرى حدة. وعندما غابت شمس بريطانيا، وانكفأت فرنسا، وتفكك الاتحاد السوفياتي، ورث الورم الأميركي خبث كل الدول بل وزاد على مساوئ الورم الهتلري. فأخذ كما فعل سابقه في تصنيف دول العالم والبشر على هواه. فجعل من بعض الدول محورا للشر، وأخرى مارقة، ومن الرؤساء دكتاتوريين ومن المواطنين إرهابيين، مع أن كل تلك الصفات هي من منتج ثقافة السياسة الأميركية وقياداتهم المتعاقبة.
في الماضي كان هدف الفتنة شق صفوف العائلة أو الجماعة أو القبيلة لإضعافها لبلوغ الهدف، لأنها أقل كلفة من القتل، أما الآن فقد أصبحت صناعة وتجارة لها استراتيجياتها وتدرس على أعلى المستويات، لأنها تدر مليارات الدولارات على صانعيها من الدول الكبرى.
وبما أن العالم الإسلامي على امتداده الجغرافي يزخر ويموج بكل مكونات الحياة السعيدة، فقد أصبح في بؤرة الهدف، وضحية منتج الصناعة الأميركية الحديثة للفتنة التجارية، التي تلعب دورا محوريا في تهيئة أرضية الاتهام والهجوم الإعلامي، وإسناد عمليات القتل بين أفراد الأسرة الإسلامية لإضعاف قواها البشرية والفكرية من جانب، وقواها الاقتصادية عن طريق تزويد المتقاتلين بالسلاح لاستلاب خيرات كل طرف.
أن الأسوأ قادم ما لم نتخلص من الهيمنة الأجنبية، ونعد لأنفسنا قوة نرهب به أعداءنا كما فعلت إيران، فهل لنا أن نستفيد من الآخرين بعدما دمر منتج الحماية الأجنبية اقتصادنا وما بيدنا من سلاح في جمهورية مصر العربية والعراق.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد جبر المسلم"العدد 1612 - السبت 03 فبراير 2007م الموافق 15 محرم 1428هـ