أستاذ إدارة الموارد المائية، جامعة الخليج العربي كما هو معروف، فإن غالبية سكان دول مجلس التعاون لا تستخدم المياه المزودة بواسطة الشبكة للشرب، بسبب عدم استساغة الكثيرين لملوحة المياه المزودة بواسطتها و/أو عدم ثقتهم بصلاحيتها للشرب، ويعتمد معظمهم في الحصول على مياه الشرب على المياه المعبأة المباعة في الأسواق. ولقد تم التطرق لهذا الموضوع في مقال نشر في صحيفة «الوسط» منذ نحو العام بعنوان: «مياه الشرب في البحرين... نحو وعي أكبر» (العدد 1243، 31 يناير/كانون الثاني 2006).
في ذلك المقال تمت مقارنة السعر الذي يدفعه المواطن في البحرين لقاء الحصول على مياه الشرب من المصادر المختلفة (مياه الشبكة والمياه المقطرة «البيلر» والمياه المعبأة في قناني كبيرة وصغيرة)، وبيان مصدر كل من هذه المياه ونوعيتها.
وتم التنبيه في ذلك المقال إلى ضرورة أخذ الحيطة عند استخدام المياه المعبأة بسبب المخاطر الصحية التي من الممكن أن تنتج عن تعرض القناني البلاستيكية للشمس والحرارة، وإلى ضرورة تفحص فترة الصلاحية قبل شرائها (عادة تصل إلى عام واحد من تاريخ التعبئة)، والاهم من ذلك التأكد من اشتراطات حفظها في مكان بارد وعدم تعرضها للشمس والحرارة، إذ إن تعرضها للحرارة يؤدي إلى تفاعل المادة البلاستيكية المصنوع منها القناني البولي - إيثيلين تيريفثالات (PET) القابلة للتحلل، التي قد ينتج عنها مواد مضرة بالصحة، وتم النصح بعدم شرب هذه المياه إذا كانت قد تعرضت للشمس، ولزيادة الحيطة عدم شرائها إذا كان عمرها أكثر من ستة أشهر.
كما تم التنبيه إلى عدم إعادة استخدام القناني البلاستيكية، وبأن هناك بعض الدراسات العلمية التي أجريت في الولايات المتحدة الأميركية على إعادة استخدام هذه القناني لأكثر من مرة أو لحفظ مواد مختلفة بها، بسبب احتواء المادة المصنوعة منها هذه القناني على عنصر محتمل مسبب للسرطان يسمى داي-إثيل-هيدروكسيل-أمين، وأن غسل وشطف هذه القناني أكثر من مرة يمكن أن يؤدي إلى تحلل مادة البلاستيك ودخول هذه المادة المسرطنة إلى الماء أو المادة المحفوظة بها، ويساعد على ذلك ارتفاع درجة الحرارة، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة مخاطر دخول هذه المواد المسرطنة في جسم الإنسان. كما بين المقال إن هذه الدراسات كانت مثار جدل بين الباحثين العلميين وأنصار البيئة والصحة من جهة، وبين الاتحاد العالمي للمياه المعبأة (IBWA) والشركات المصنعة للبلاستيك من جهة أخرى، إلا أنه ينصح باتخاذ الحيطة والحذر في التعامل مع هذه القناني بعدم إعادة استخدامها.
ومنذ نحو الستة أشهر نشر عبر مجموعة نقاش بشبكة الانترنت تحذير (غير معروف المصدر) من إعادة استخدام زجاجات المياه المعدنية، وضرب مثلا بوفاة طفلة عمرها 12 عاما في إمارة دبي بعد طول إعادة استخدامها لقنينة مياه بلاستيكية لمدة 16 شهرا، إذ كانت تستعمل القنينة نفسها وتذهب بها إلى مدرستها بصورة يومية. وينصح التحذير بعدم إعادة استخدام القناني البلاستيكية لفترة تزيد عن أسبوع واحد أو تعريضها للحرارة أو للغسيل والشطف المتكرر، إذ يعمل ذلك على تحلل مادة البلاستيك وبالتالي تسرب العنصر الكيميائي القابل للسرطنة إلى المياه أو السائل الذي بداخل القنينة. وينتهي التحذير باستخدام القناني الزجاجية بدلا من البلاستيكية.
ومؤخرا تم تداول خبر عبر شبكة الانترنت والبريد الالكتروني في البحرين ودول مجلس التعاون منسوب إلى النشرة الإخبارية للصحة العامة التي يصدرها مستشفى جون هوبكنز في الولايات المتحدة عن مسببات السرطان من مادة البلاستيك يحذر من الكثير من الممارسات التي يتم القيام بها في المنزل التي قد تحمل معها أخطار صحية وتسبب السرطان، مثل وضع حاويات أو أواني بلاستيكية في الميكروويف بسبب احتواء مادة البلاستيك على مادة «الديوكسين» الكيماوية التي تسبب مرض السرطان، خصوصا سرطان الثدي.
كما ذكر الخبر، وهذا ما يهمنا في هذا المقال، بعدم وضع قنينة البلاستيك في «الفريزر» وعدم تجميد هذه القناني البلاستيكية التي تحتوي على الماء أو أي سوائل أخرى لأن ذلك من شأنه أن يحرر مادة الديوكسين السامة من البلاستيك وبالتالي اختلاطها بالماء أو السائل المثلج ومن ثم شربها وإمكان تسببها بالسرطان لمستهلكي هذه المياه أو السوائل. ويشير الخبر إلى مقابلة تلفزيونية مع أحد الخبراء يدعى إدوارد فوجيموتو من جامعة كاستل قام فيها بشرح هذه المخاطر الصحية.
وبالبحث في الموقع الالكتروني لمنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة عن مركب «الديوكسين»، وجد أن هذا المركب يصنف ضمن مجموعة خاصة من المركبات الكيماوية الخطرة يطلق عليها تسمية «الدستة القذرة» والمسماة بـ «الملوثات العضوية الثابتة» (POPs)، أي أنها لا تتحلل وتظل لفترات طويلة في الأوساط الحيوية (الماء والهواء والتربة) والنبات والحيوان والإنسان، وتظهر كمنتج ثانوي للعمليات الصناعية وعمليات الحرق غير المنظمة للمخلفات، وخصوصا المخلفات المنزلية والخطرة والطبية، ولكن يمكن كذلك أن تنتج عن الانفجارات البركانية وحرائق الغابات، وبأن الديوكسين يتراكم في التربة والمياه والنباتات والحيوانات وينتقل لمسافات بعيدة ويدخل بسرعة في السلسلة الغذائية للإنسان ولا ينصرف من جسم الإنسان بسهولة، ولذلك فإنه يتركز مع الوقت في جسم الإنسان إذا استمر التعرض له لفترات طويلة. ولقد ربطت الكثير من البحوث التعرض لمادة الديوكسين بإختلالات أجهزة المناعة والأعصاب والغدد والتناسل، وكذلك أنواع مختلفة من السرطان.
إذا مادة الديوكسين هي مادة خطرة، إلا أن السؤال المطلوب الإجابة عليه هو: هل تدخل مادة الديوكسين في التركيب الكيماوي للبلاستيك المستخدم في تعبئة المياه المعدنية أم لا؟ للأسف لا توجد معلومات وثيقة عن ذلك. ولقد نشر معهد جان هوبكنز للصحة العامة مقابلة مع أحد الأساتذة الجامعيين الذين يعملون في المعهد متخصص في تلوث الديوكسين بعد انتشار الخبر على شبكة الانترنت، والذي أكد موضوع تعرض الإنسان للديوكسين ولكن من خلال اللحوم والأسماك المتعرضة للتلوث الصناعي، وبعدم اعتقاده بوجود مركب الديوكسين في البلاستيك، كما أن عملية التجميد تعمل ضد تحرير المواد الكيميائية. وأضاف بأن هناك مواد كيماوية أخرى ملوثة للبيئة تسمى بمجموعة الـ»فثالات» (التي تم ذكرها في المقال السابق) تضاف عادة إلى البلاستيك لزيادة مرونته ومنعه من التكسر، وعند تعرض البلاستيك للحرارة فإنها تتحرر من التركيب الكيماوي للبلاستيك وتختلط بالسوائل التي تحتوي عليها القنينة، ويمكن أن تؤثر هذه المركبات على عمل الغدد في الإنسان والحيوان وتعطلها.
أي أن الخبر عن مادة الديوكسين قد يكون ضمن المعلومات الخادعة (hoax)، وهي كثيرة على شبكة الانترنت، ويعتقد بأن الذين يقومون بنشرها هم من الأشخاص المتطرفين من مناصري حماية البيئة وضد استخدام مادة البلاستيك.
ولذلك فإن القرار بصحة المعلومة من عدمها مازال غير محسوم، وإلى أن تتضح الصورة ويتم عمل الدراسات العلمية لتأكيد أو دحض هذه المعلومة يبقى من البديهي في هذه الحالات أن يأخذ الإنسان حذره لتقليل مخاطر التعرض للمواد الكيميائية وغيرها في مياه الشرب المعبئة، وخصوصا انها المصدر الرئيسي لمياه الشرب في المنطقة.
إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"العدد 1612 - السبت 03 فبراير 2007م الموافق 15 محرم 1428هـ