العدد 1610 - الخميس 01 فبراير 2007م الموافق 13 محرم 1428هـ

الرموز الدينية في الأماكن العامة

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

ما من شيء غريب في السجال الذي دار حول الرموز الدينية في كندا. تبعا للسجال المحتدم المتعلّق بمسألة الحجاب في فرنسا، شكّلت الكثير من الدول الغربية ساحة لاحتجاجات مشابهة. واستهدفت تلك الاحتجاجات بشكل ملحوظ الصلبان التي تحمل صورة المسيح (ع) ثم المآذن الرائدة في سويسرا؛ وصدرت احتجاجات ضد الزي الديني «المسيء» في هولندا وإنجلترا، ويشكّل الأخير سلسلة من القرارات الغريبة المتعلّقة بإزالة أشجار الميلاد في الولايات المتحدة وكندا.

في كل مرة، إننا نواجه ردّات فعل عصبية ومنافية للمنطق من شأنها إما أن تؤدّي إلى الشعور بالظلم بين هؤلاء الذين يواجهون الخوف من الإسلام أينما ذهبوا، وإما أن تزيد الشعور بأنّ التجانس الثقافي في بلد ما معرّض للخطر، أي أنه يُستعمر من قِبل دين آخر.

أصبحت تلك العصبية بغاية العنف إلى حدّ أنّ السلطات القضائية أو الفنية راحت تستبق ردّات الفعل السلبية حتى إنها تتخذ إجراءات تحسّبية. ليس على المرء إلا أن ينظر إلى ألمانيا، إذ تم تأجيل أوبرا لموزار أخيرا بسبب اتصال هاتفي واحد مقترحا أنه قد يكون ذلك غير مقبول للمسلمين. في كندا، تم تفكيك أشجار الميلاد لأنها قد تسيء إلى غير المسيحيين.

ترتفع مستويات عدم التوافق في مجتمعاتنا، أو هكذا يبدو الأمر. نظريا، إننا ندعو إلى التعددية والتسامح. ولكن في الحقيقة، إننا نسخط وننطوي على أنفسنا. اليوم، من يمكنه التأكيد بيقين ما يحق له أو لها بالقول أو الإبداء؟ هل عبارة تباين تتطابق مع حقوق المواطنة؟ إنّ الوضع خطير؛ لا يجب الاستهانة بالمخاطر التي نواجهها.

من الضروري أن نذكّر أنفسنا أنّ ما يسمح لنا بالعيش معا باحترام متبادل هو إطار العمل القانوني (الدستور المشترك)، الذي يجعل جميع المواطنين متساوين أمام القانون. ضمن هذا الإطار، الذي يشكّل قاعدة حكم القانون الذي يجب على جميع المواطنين والسكان الدائمين الاعتراف به، يجب احترام الحريات الأساسية.

تشتمل الأخيرة حرية الإدراك والدين والتعبير والتحرّك. في الأعوام القليلة الماضية، شهدنا تدهورا مستمرا وبطيئا لتلك الحقوق الأساسية التي يتم بحثها ضمن مسألة شديدة الخطورة.

أصبح السجال المتعلّق بتعدّدية الثقافة والهوية ممتلئا بتلك المسائل والمخاوف وهذا السخط المتزايد. لا يتعلّق الخلاف بالدستور وإنما بمخاوفنا ووجهات نظرنا الخاصة التي تفرّقنا وتبعد بيننا وتحثّ بعضنا بعضا على السعي إلى تغيير القانون.

إنّ ما يظهر أمام أعيننا هو تصادم حادّ في وجهات النظر. إذا لم نتخذ الحذر المناسب، فإننا لن نكون على وشك أن نخسر ثقتنا بأنفسنا وبزملائنا المواطنين وحسب، وإنما حرياتنا أيضا؛ ما من شأنه التأثير على المسلمين أوّلا، ثم التأثير على جميع المواطنين.

يعتقد البعض أنّ الحل الوحيد هو القضاء على جميع الرموز الدينية أو الثقافية التي تشير إلى التباين. يؤكّد داعمو هذا الأمر، أن ذلك من شأنه تأمين المساواة وتفادي إحداث الإساءات. ويشير البعض إلى أنّ إظهار التعددية بإمكانه التخفيض من المخاوف المحتملة. ولكنّ عملية العولمة تذكّرنا كل يوم بأنه لا يكفي أن نراقب الاختلافات كي نفهمها بطريقة إيجابية.

ومع ذلك، لا يبدو أننا سنتخطّى الخوف من التعددية والتباين لا من خلال إخفائها ولا إظهارها. يمكن للسجال أن يُجرى في جو من الهدوء إذا ما توافرت شروط ثلاثة.

أولا، علينا احترام قانون الأرض وتطبيقه بالتساوي على جميع المواطنين بما يتوافق مع كلّ مجتمع ديني أو ثقافي.

ثانيا، بدلا من الدعوة إلى إزالة جميع الإشارات اللافتة من الأماكن العامة، على تلك الإشارات أن تشكّل - وبشكل أساسي - جزءا لا يتجزأ من المنهاج التعليمي.

على مجتمعنا التعدّدي أن يؤمِّن لمواطنيه الوسائل الخاصة بتفهّم الأديان ورموزها وسبل ممارستها، ولتخطّي المخاوف؛ علينا تأمين إرشادات مناسبة لشبابنا؛ وعلينا تنمية مفهومهم وحسّهم الانتقادي. يعني ذلك التفهّم بشكل أفضل لتوجّهات الآخرين الفلسفية والثقافية: النظر إلى عالم الآخرين على أنه مصدر للغنى وليس على أنه تهديد.

يتعلّق الشرط الثالث بكلٍّ من الحس المشترك والأدب. علينا الاعتياد على إجراء السجالات بشأن المسائل الاجتماعية بأسلوب منفتح وانتقادي، من دون التخلّي عن مبادئنا ومن دون الالتباس بين النقد والسخط الساذج والمؤذي وأحيانا المغلوط والضعيف.

في ظل الدفاع عن حرية التفكير، يقوم بعض المفكرين والسياسيين بتشريع الخطاب العنصري المبغض الذي يُضعِف من ديمقراطياتنا، وبالتالي يولّد تماما بعكس ما يطالبون بالدفاع عنه.

للسعي نحو هكذا تعددية مسئولة ومنطقية في مجتمعاتنا، علينا أن نوضّح ونتثقف ونتعلّم كيف نتعرّف إلى بعضنا بعضا ونتعرّف ونحترم جيراننا. يقع علينا اختيار كيفية ممارسة حرّياتنا.

* أستاذ في الدراسات الإسلامية وعضو أعلى باحث في كلية مار أنطونيوس التابعة إلى جامعة أوكسفورد وفي مؤسسة لقاحي في لندن، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1610 - الخميس 01 فبراير 2007م الموافق 13 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً