العدد 161 - الخميس 13 فبراير 2003م الموافق 11 ذي الحجة 1423هـ

حدود القوة وحدود الدبلوماسية في أزمة العراق

عمران سلمان comments [at] alwasatnews.com

.

الاستعدادات الأميركية للحرب على العراق دخلت مراحلها النهائية، فيما تبدو الدبلوماسية وكأنها تخوض آخر جولاتها، مترافقة مع سجال فرنسي ألماني أميركي عنيف.

ومن المنتظر أن تصل إلى منطقة الخليج في غضون الأيام المقبلة ثلاث حاملات طائرات أميركية لتنضم إلى أربع حاملات أخرى موجودة في المنطقة. وتضاف الحاملات الست إلى حاملة بريطانية قد تكون وصلت فعلا. ويوجد على متن هذه الحاملات ما لا يقل عن 600 مقاتلة من مختلف الأنواع. أما على البر فتعتزم الولايات المتحدة حشد أكثر من 200 ألف جندي حتى نهاية الشهر الجاري. وستدعم هذه الحشود العسكرية الضخمة القاذفات الثقيلة من طراز (بي 2) و(بي 52) وأسراب من طائرات (ستلث الشبح).

وعلى الجانب الآخر باشرت وزارة الخارجية الأميركية إصدار تعليمات لعدد من سفاراتها في المنطقة بإجلاء عائلات دبلوماسييها والموظفين غير الأساسيين، وهي التعليمات التي سبقها تحذير لجميع الرعايا الأميركيين في العالم بالاستعداد لعمليات إجلاء محتملة. ولن يطول الوقت حتى تصدر التعليمات لجميع الأميركيين غير المرتبطين بأعمال ضرورية في المنطقة بالعودة إلى بلادهم.

وهذا السيناريو نفسه تكرر في حرب الخليج الثانية، وهو ليس جديدا إلا من حيث السعة والعمق الذي يتم به هذه المرة. وبكلمات أخرى فإن جميع الدروب تتجه نحو حرب وشيكة في العراق. فماذا عسى الدبلوماسية أن تفعله في هذا الوقت؟

المعطيات المتوافرة تقول إن احتمالات تأثيرها تظل ضعيفة، على رغم ما يبدو عليه إغراء الاتكاء على التناقضات بين كل من فرنسا وألمانيا من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى. فالبلدان على رغم معارضتهما الواضحة للحرب فإنهما لا يستطيعان المغامرة بالذهاب أبعد من ذلك. ومن المتوقع أن يبذلا محاولة أخيرة قد تكون على شكل مبادرة مشتركة تهدف إلى إقناع الرئيس العراقي صدام حسين بالتخلي عن أسلحته وربما عن منصبه في سبيل تفادي العمل العسكري. وقد يرسل البلدان لهذا الغرض مسئولين عنهما إلى بغداد.

وربما يترافق ذلك بتحركات دبلوماسية لإقناع مجلس الأمن، الذي تشغل فيه إحدى الدولتين (فرنسا) عضوية دائمة والأخرى (ألمانيا) غير دائمة، بتبني المبادرة رسميا وإرسال قوات دولية إلى العراق لتنفيذها. وسيعطي ذلك من دون شك دفعة قوية للحركات المناهضة للحرب، كما انه سيحرج الولايات المتحدة والدول الداعمة لها، وقد يعقد من خططها العسكرية.

لكن نقطة الضعف في الموقف الفرنسي الألماني تظل أنه غير مدعوم بعنصر القوة من جهة ، ومن جهة أخرى لا يقدم أي حل متكامل للمشكلة العراقية. وإضافة إلى ذلك لا تستطيع الدولتان أن تتحملا مسئولية أية تعقيدات قد يجرها إخفاق العراق في التعاون مع مهمات التفتيش. ولهذا السبب فإنه من المستبعد أن يحظى المقترح بأية فرصة للنجاح.

إن أهمية المعارضة التي تبديها باريس وبرلين للخيار العسكري لا تكمن في قدرتها على منع الحرب، فهي أضعف من أن تفعل ذلك، وإنما في جعل هذه الحرب أقل قسوة واتساعا وربما اكثر تواضعا في أهدافها. إنها معارضة لترشيد الخطاب الأميركي، وليس للرد عليه.

الواقع أنه حتى في هذا الإطار يمكن تلمس قدرا من الاختلاف. فالدوافع الفرنسية تبدو مختلفة عن دوافع ألمانيا. فرنسا تنظر إلى نفسها باعتبارها قوة منافسة (على الأقل من الناحية الثقافية والسياسية) لأميركا، وهي تضع محورها الفرانكفوني في موازاة التحالف الأنجلو ساكسوني المشكّل من بريطانيا والولايات المتحدة. وهي تحرص مذ ذاك على إبقاء الحياة في عروق الفرانكوافنية الدولية ومدها بأسباب البقاء.

أما ألمانيا فإن لمعارضتها جذور سياسية داخلية، جانب أساسي منها متعلق بالموقف التقليدي للرأي العام المحلي المناهض للحرب، وجانب آخر يعود للصعوبات الاقتصادية. ويعتبر المستشار الألماني غيرهارد شرورد نفسه مدينا بنجاحه في الانتخابات الأخيرة إلى مواقفه المغايرة للولايات المتحدة من أزمة العراق، وهو يعتقد أن استمراره في هذا النهج من شأنه أن يحافظ على شعبيته.

لكن لا فرنسا ولا ألمانيا تعتقدان بالطبع انهما قادرتان على منع الحرب إذا أصرت الولايات المتحدة على شنها. انهما تعرفان بأن تحركاتهما قد تثير الغبار في وجه واشنطن، لكنها لن تدفعها إلى التراجع. ولذلك فالمتوقع أن تكتفيا بهذا القدر من المعارضة، من دون المغامرة بتوسيع الشق على جانبي المحيط الأطلسي، ولاسيما أنه لا توجد أسباب حقيقية أو جوهرية تكمن وراء النزاع الفرنسي الألماني الأميركي، وأزمة العراق في النهاية ليست شأنا أوروبيا أو غربيا.

أما واشنطن فهي مستمرة في خططها العسكرية وضغوطها السياسية على العراق، ويبدو تاريخ 27 فبراير/ شباط الجاري موعدا مرجحا للحرب، لن يغير من ذلك حجم التنازلات التي أخذت بغداد تقدمها تباعا لتجنب العمل العسكري، كما أن عمليات التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل بدأت تستنفد أغراضها بعد أن استهلكت شحنتها التصادمية من دون أن تصل إلى نتيجة حاسمة، ومن المستبعد أن يمنح المفتشون وقتا أطول لمواصلة عملهم بعد التقرير الذي سيرفعونه إلى مجلس الأمن.

ومن هنا فإنه يجب التفكير في تبعات الحرب وكيفية التقليل من آثارها التدميرية، من دون إهمال الدبلوماسية كليا، لكن أيضا من دون إعطائها حجما أو دورا لم تعد قادرة على لعبه

العدد 161 - الخميس 13 فبراير 2003م الموافق 11 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً