العدد 1608 - الثلثاء 30 يناير 2007م الموافق 11 محرم 1428هـ

الأمر «معقّد» على المسلم في أميركا

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

لقد ولِدت في مصر وانتقلت إلى الولايات المتحدة في العام 2000 وتأهلت للحصول على الجنسية هذا العام. خلال زيارتي الأخيرة لمصر في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اكتشفت ما اعتقدته الإجابة المثلى عن السؤال العالمي تقريبا «ما وضع المسلمين هناك بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول؟».

«الأمر معقّد»، كنت أقول. وكنت أتلو هذه القصة.

في 11 سبتمبر من العام 2001، كنت أستضيف أخي وزوجته في سياتل حيث عشت في تلك الفترة. كلاهما عالم في الفيزياء ويعملان في الولايات المتحدة. لم نغادر شقتي ليومين بعد الحوادث؛ لأننا خشينا أن تتعرّض زوجة أخي - التي تضع الحجاب - للمضايقة أو الاعتداء كما سمعنا أنه حصل للمسلمين أو الذين يبدون كذلك.

ولكنها تلقّت معاملة بغاية اللطف. أمّا غيرها من النساء المسلمات فلم يحالفهنّ الحظ. فقد كادت إحدى النساء المسلمات تدهسها سيارة وهناك امرأة أعرفها - مسلمة أميركية باكستانية - أخبرتني أنها عندما كانت برفقة زوجها في إحدى الأمسيات، سأله مجموعة من الرجال الشباب: «كيف تشعر عندما (تنام) مع إرهابية؟».

بعد بضعة أيام على حوادث 11 سبتمبر، قام رجل برش البنزين في موقف السيارات التابع إلى مسجد محلّي وحاول إضرام النار فيه، ولكنه أوقف من قِبل رجلين كانا يقيمان صلاة العشاء. سحب مسدسا وحاول إطلاق النار عليهما، ولكنه كان ثملا وبالتالي لم يتمكّن من إصابة الهدف. وعندما حاول الفرار بسيارته، اصطدم بشجرة. وتم توقيفه على الفور.

في اليوم التالي، ولمدة أسبوعين، قام شخصان يقطنان بجوار المسجد بحراسة الموقف 24 ساعة حاملَين لافتاتٍ كُتب عليها «المسلون أميركيون».

قام أحد الرجلَين المسلمَين - اللذين أوقفا من أراد إحراق المكان - بزيارته في السجن وأخبره أنه سامحه. وقال المسلم للسلطات إنه يريد إسقاط التهم. فأجابوه أنّ الأوان قد فات. لذلك شهد دفاعا عن الرجل الذي حاول إطلاق النار عليه. وبدلا من أن يُحكم عليه بالسجن مدة 75 عاما، حُكِم على ذلك الرجل بالسجن مدة 6 سنوات ونصف السنة.

وعلى الصعيد الشخصي، شكّل أخي واحدا من 5 آلاف مسلم الذين تمت مقابلتهم من قِبل مركز التحقيق الفيدرالي (FBI) بعد حوادث 11 سبتمبر مباشرة وتوجّب عليه الخضوع إلى التسجيل الخاص الذي تطلّب منه أن يعطي بصماته ويتم تصويره لسجلات الأمن المحلي.

ولإثارة التعجب، إنّ زوجة أخي هي الطبيبة الأنثى الوحيدة في بلدة صغيرة في أوهايو، إذ لديها عدد هائل من المرضى الذين لا يأبهون كثيرا بكونها تضع الحجاب. وأنا متأكّدة أنّ مرضاها لا يأبهون على الإطلاق بكونها تقرأ القرآن الكريم في حين يقرأون الإنجيل أو التوراة. أحيانا يمكنك رؤية أميركا بقسميها يتحادثان ويتجادلان ويجب علينا جميعا أن نستمع لذلك النقاش.

حالفني الحظ بالاطلاع على هذا النقاش خلال زيارتي الأولى للبيت الأبيض في نهاية العام 2005. هناك، منحنيا خارج مقر الرئيس، ظهر رجل يرتدي بذلة برتقالية، على غرار مساجين غوانتنامو. كانت يداه مقيّدتان خلف ظهره ووضع غطاء على رأسه. كانت أمامه ورقة بيضاء كبيرة كُتب عليها «أوقفوا التعذيب حالا».

في مصر، شاركت في الكثير من المظاهرات في الشارع ضد الرئيس حسني مبارك. لم تجرِ أي منها أمام بيتنا الأبيض في مصر. وكذلك، تشكّل مصر الوجهة الأولى والأبرز في التسليمات (العملية التي يعتقل العملاء السريون الأميركيون المشتبهين في صلتهم بالإرهاب ويرسلونهم إلى بلاد صديقة ومتواطئة، إذ تقوم سجلات حقوق الإنسان بأكثر من اللازم ولكن يبدو أنّ الأميركيين لم يرغبوا في القيام به بأنفسهم) والتعذيب. كان بلدي يقوم بعمل الإدارة الأميركية الرديء.

لذلك أردت شكر هذا الرجل الشاب. أثناء تقدّمي نحوه لإجراء محادثة، اقتربت منه فتاة يبدو أنها كانت في رحلة مع المدرسة.

«هل تكره الرئيس بوش؟» سألته قائلة.

«في الواقع، لا. يجدر القول إني أكره أفعاله ولكني لا أكرهه».

«بسبب العراق؟».

«نعم. قتلنا الكثير من الناس هناك، الكثير من النساء والأطفال»، قال كل ذلك من تحت غطاء رأسه ويداه مكبّلتان خلف ظهره.

«لقد كانوا سيّئين بدورهم»، أجابت الفتاة.

«النساء والأطفال؟».

ثم جاء أحد المرافقين للأطفال وأخذ الفتاة. فتقدّمت وتكلّمت مع المتظاهر الشاب.

«هل يحدّثك الكثير من الأميركيين عن احتجاجك؟» سألته قائلة.

«ليس تماما»، أجاب. «فقط الذين لا يوافقون على ذلك، كذاك الرجل الذي أخذ الفتاة لتوّه».

«في الواقع أودّ شكرك على ما تقوم به. إنّ التعذيب أمر اعتيادي في بلدي وتشكّل مصر أوّل الوجهات للتسليم».

أرجوكِ اذهبي واخبريه بذلك»، قال الشاب.

فذهبت بحثا عن المتاعب.

وجدتهم. «عذرا. أريدكم أن تعلموا أني أقدّر فعلا ما يقوم به ذلك الرجل. إنّ التعذيب أمر اعتيادي في بلدي، وهو لا يُجدي نفعا».

«إذا ربما يجدر بنا أن نرسل إليهم جميعا سلالا للنزهة وأزهارا»، أجابني قاصدا الرجال الذين اعتقلوا في غوانتنامو لسنوات من دون محاكمة.

«كلا، ولكنّ التعذيب لا يجدي نفعا. وإني أقول لكم إنّ التعذيب لا يجدي نفعا».

«إنهم يقتلون النساء والأطفال في بلدك أيضا»، ردّ قائلا.

«أعلم ولذلك أقول لك إنّ التعذيب لا يجدي نفعا. فلم ينجح في وقف ذلك».

«إذا ربما عليكم أن تجرّبوا الديمقراطية»، ردّ قائلا.

«إننا نرغب في ذلك. ربما إذا توقفت إدارتكم عن دعم الدكتاتور الذي لدينا، حينها يمكننا ذلك»، أجبته قائلة.

فأصبح لدينا مجددا أميركيان ورأيان.

*صحافية وناقدة مقيمة في نيويورك ومحاضرة دولية عن

مسائل العرب والمسلمين. والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1608 - الثلثاء 30 يناير 2007م الموافق 11 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً