العدد 1606 - الأحد 28 يناير 2007م الموافق 09 محرم 1428هـ

من هنا بدأ الإمام الحسين (ع) ثورته

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

في السبعينات وبعد انفجار الحرب الأهلية في لبنان التي ابتدأت سنة 1975 وانتهت باتفاق الطائف سنة 1989، أنشد احد الرواديد الحسينيين المشهورين قصيدة في أحد المواكب الحسينية باللغة العراقية الدارجة عكس من خلال كلماتها موقف حزب البعث الحاكم في العراق آنذاك فأدان فيها حزب الكتائب اللبناني لدوره في إشعال هذه الحرب، ومما جاء فيها: يحسين أُوْ شَعَبْ لبنان بنضاله، ورّطهْ حزب الكتائب والعمالة...»، وأثنى على الرئيس العراقي السابق أحمد حسن البكر مخاطبا الحسين (ع): يحسين البكر بيكم اتصاله، مؤمن وملتزم بأهداف الرسالة».

وحين يتوسّل حزب كحزب البعث أو غيره من التيارات بالثورة الحسينية ويعد زعيمه امتدادا لرسالة الحسين (ع)، ومؤمن بها، فذلك يعود لمكانة الثورة الحسينية في ضمائر الجماهير وتمثيلها للإصلاح بكل ما للكلمة من معنى. ولكون الإصلاح عصب الثورة الحسينية، فلا غرو أن يتشبث كل من يطمح لإقناع الناس بأنه مصلح بالحسين وثورته. وكل من يتوق لترويج فكره وإنجاح نشاطه وحركتـه في المجتمع، يلجأ لشعار الإصلاح، ولا تجد قائد ثورة أو زعيم إلا ورفع هذا الشعار؛ ذلك لأنّ مشاعر المحرومين والمظلومين، تتحرك في تفاعل جامح مع كل دعوة إصلاح.

ويشكل الجهاز السياسي الحاكم أكبر مصدر للإصلاح وأخطر مصدر للفساد والإفساد، يقول الإمام علي (ع): «المُلْك كالنهر العظيم تستمد منه الجداول ؛فإن كان عذبا عذبت وإن كان ملحا ملحت». ويقول أيضا « إذا تغيّر السلطان تغيّر الزمان»، فإن أصلح، صلحت حياة الأمة واستقامت، وإن أظهر لهم الظلم فسدت حياتهم وسادهم البؤس والشقاء.

وحين يكون الفساد موغلا في قمة الهرم في الدولة، أي في الجهاز السياسي الحاكم، حينها فإن الإصلاح الحقيقي يبدأ بهذا الجهاز. وحين يتحرّك الحسين في مواجهة مباشرة مع الحكم، فهذا يعني أن الوضع في الجهاز الحاكم بلغ درجة لا تُُستحمل مطلقا ولا يمكن تعاطي المداراة معه. فعندما وُلي يزيد بن معاوية الخلافة، أدرك الحسين (ع) خطورة الأمر على الإسلام وقيمه ومبادئه، إذ إن يزيد معروف بفسقه ومجونه وشربه للخمر وتجاهره بترك الصلاة. ولمّا طلب مروان بن الحكم من الحسين (ع) مبايعة يزيد وأدعى أن ذلك أصلح لدينه ودنياه، استرجع الحسين وقال: على الإسلام السلام إذا ابتليت الأمة براع مثل يزيد. فاستهتار يزيد بالدين حتما سينعكس بشّدة على إفساد دين الناس وبالتالي خراب دنياهم. لهذا رأى (ع) بأنه لا مناط في مثل هذه الحالة من الإصلاح الذي يبدأ بالجهاز السياسي الحاكم، الإصلاح بدرجاته المتفاوتة التي قد تصل لحد التغيير حتى لو تطلب الأمر سفك دمه، وكان (ع) يردد: إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي، يا سيوف خذيني.

وفي يوم العاشر من محرّم سنة 61 هـ قتل الحسين (ع) ولم تستطع الثورة تغيير الجهاز السياسي الحاكم حينها، ولكنها أيقظت مشاعر الأمة وفتحت وعيها الذي كاد أن يموت، وكشفت مدى تسافل هذا الجهاز الذي وصل به الانحطاط لدرجة أن يقدم على سفك دم سبط رسول الله وسيد شباب أهل الجنة والتمثيل بجثته، ثم أتبع هذه الجريمة باستباحة المدينة المنورة وتوّج جرائمه بضرب الكعبة بالمنجنيق بسبب التجاء عبد الله بن الزبير ثائرا في البيت الحرام، ومن ثم تم قتله وصلبه.

وبعد أن كان الكبار آنذاك يرون استحالة التغيير بمواجهة الحاكم الظالم وهذا جليّ من خلال نصيحتهم الحسين (ع) بعدم المواجهة، فقد أرجعت ثورة الحسين (ع) التي سالت فيها دماؤه ودماء معظم أهل بيته، الروح الثورية للأمة وأعطت شرعية للتحرك ضد نظام يزيد ولمن يأتي بعده، فتوالت واستمرت الثورات التي قوّضت هذا الحكم، ومنها قيام زيد بن علي بن الحسين بثورة على هشام بن عبد الملك بالكوفة، والذي نال خروجه تأييد الإمام أبو حنيفة الذي كان «لا يرى لبني أمية أي حق في إمرة المؤمنين» - كما يقول الإمام محمد أبو زهرة - ، وشبه خروجه بيوم بدر فقال - أي أبو حنيفة - عن خروج زيد: «ضاهى خروجه خروج رسول الله يوم بدر» . وقد قتل زيد سنة 122هـ فثار من بعده ابنه يحيى في خراسان سنة 125هـ،... وهكذا أخذت الثورات تترى مما أضطر الحكم لتخفيف غلواء ظلمه تجاه الرعية إلى أن استأصلت شأفته فيما بعد.

وحتى لو أن الحكم الأموي استبدل بالحكم العباسي الذي انقلب فيما بعد على شعارات الرضا لآل محمد التي توسّل بها لإسقاط الحكم الأموي، إلا أن الثورات التي تفجرت كلها جسّدت وعي الأمة المنطلق من الإسلام، هذا الوعي الذي استجد وتعملق بعد ثورة الحسين (ع).

فكل الحركات الثورية بما فيها حركة العباسيين رفعت شعار «الرضا لآل محمد»، وبذلك أدت ثورة الحسين للترويج لخط أهل البيت وتكريس الارتباط بهم، وفي كل ذلك مكسب عظيم امتد فيما بعد حتى عمّ وفاض على كل المسلمين، خصوصا في فترة انتقال الحكم من بني أمية لبني العباس، وما قام به الإمام الصادق (ع) من دور كبير استمرت آثاره الجليلة متنامية ووقادة ليومنا هذا، وهو الذي أفاض بعلمه على معاصريه، فأخذ عنه مالك بن أنس واختلف إليه في مجلسه، وروى عنه أبو حنيفة الذي صحبه سنتين.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1606 - الأحد 28 يناير 2007م الموافق 09 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً