ما بين الأسلحة التي صودرت قبل مدة من إحدى مدن البحرين - بحسب إقرار وزارة الداخلية بذلك - وإطلاق سراح المتورطين بها بعد أيام من جهة والإدعاءات الأخيرة بأن «المآتم» و «الحسينيات» هي «مخازن أسلحة» فجوتان. فجوة في التوقيت، ذلك أن الارشيف الخبري لايزال يحتفظ بحادث الإفراج عن أصحاب الأسلحة الفعليين. وفجوة في التوظيف «الإعلامي» بوصفه مشروعا للدعاية السياسية الطائفية.
وفيما تبرُع ذكرى الحسين في تأسيس حال من التلاحم الوطني تعمد أطراف - من كلا الطائفتين - إلى تشويه هذه الذكرى الكريمة وإفراغها من مضامينها الإنسانية الرفيعة. وتصب دعاوى أن المآتم مقار أسلحة وبعض الممارسات العاشورائية الخاطئة كالتطبير ورفع صور رموز سياسية لبلدان أخرى تحت ذريعة «المرجعية»، في هذا الاتجاه تحديدا.
لقد كانت ومازالت مآتم الحسين مراكز للإنسانية الكبرى والتواصل الاجتماعي الكريم. ولم يكن الشيعة وحدهم من ساهموا فيها وأثروها. فالمسلمون من شتى الطوائف عرفوا الحسين وأحبوه ونصروه وخلدوا ذكراه. وليس استهداف الحسين استهدافا للشيعة بقدر ما هو استهداف لقيمة إنسانية آمن بها المجتمع الإنساني كله.
ليلة الثامن من المحرم كانت «الدراز» تحتفي بذكرى عاشوراء بصوت حسين الأكرف وكانت الجماهير المحتشدة من البحرين ومن شتى البلدان الخليجية المجاورة (السعودية/ الكويت/ الإمارات/ عمان) تصدح معه في مظهر إنساني رفيع يستحق الاحترام والتقدير. الذي تدركه هنا أن «الأسلحة» التي تحدث عنها البعض رأيتها بارزة. إنها أسلحة «الحب» و «التآخي» التي كان أبناء البحرين شيعة وسنة يشعون بها في حب «الحسين» لا أسلحة «القتل» و «الرصاص» إياها.
وأمس كتب الزميل خالد المطوع مقالا أوضح فيه قيمة «الحسين» بطريقة أو بأخرى، فليس الحسين أو مظلوميته حكرا على الشيعة. وقبل أيام سخر عالم الدين الشيعي التسخيري من «مزار» يؤمه بعض الشيعة - إن صح ذلك - أبولؤلؤة المجوسي قاتل الخليفة عمر بن الخطاب. هاتان صورتان من الإنسانية الرفيعة التي تحاول الصمود أمام «وحشية» قريبة تريد بالخليج كله أن يصير عراقا جديدة.
تمر غدا ذكرى «العاشر» من جديد تحمل معها من عبق الحسين رياحين النور والسماحة والتضحية. إن هذه الشخصية التي كانت في موقفها الرئيسي بكربلاء قادرة على النجاح في إيصال رسالتها على رغم حتف «السيف» ستكون منتصرة لا محالة على دعاة الفتنة في هذه الأرض.
تمر ذكرى العاشر والحسين في قلوب الناس كافة ذكرى من ذكريات النور. هي أجمل من أن تمس بظلمة أنفاس تعودت الحياة في الظلمة.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1606 - الأحد 28 يناير 2007م الموافق 09 محرم 1428هـ