الضجيج الذي باتت تفتعله بعض القنوات الإعلامية مع كل إطلالة لعاشوراء لم يعد غريبا، ولو أمعنا النظر سنجد أن ساحة عاشوراء (بصفة خاصة جدا) في كل عام تشتعل بفتنة أو إشاعة ينشغل بها الرأي العام عن القضية المركزية، وكأن هناك دوافع خفية وراء هذه «الافتعالات».
المسألة بتكرارها المتجدد ليست عابرة كما يبدو، ولأنها كذلك فيجدر بمؤسسات المجتمع البحث أولا عن الأسباب الكامنة وراءها، قبل إطلاق التهم، لأنه وإن برز وجه من يشعل الفتنة في فوهة المدفع، فلربما تكون هناك خلفيات عدة تحرك هذه الفتنة أو تلك. ومن الواضح أن التعامل مع هذه الإثارات يكون بردة الفعل المباشرة فحسب. مع أن اتهاما خطيرا كطعن شخص المرجعية الدينية (فتنة العام الماضي)، أو الافتراء الجهنمي على المآتم الحسينية بتخزين الأسلحة (فتنة هذا العام)، لا يحسن التعامل معه بانفعالية مؤقتة يذهب بها الضجيج وتبقى آثارها عالقة يتحمل تبعاتها نصف المجتمع المطعون في وطنيته.
الأمر بكل بساطة يختزل احتمالات عدة، أحدها أن لا قضية أصلا، وما يحدث هو حديث عفوي وعابر، وإنما يجرجره البعض بحسن نية أو لا، فينفخ فيه ويستنهض الهمم، ويصنع من لا شيء شيئا، وهذا ما ينبغي الحذر منه دائما قبل الإقدام على أية خطوة.
أما الاحتمال الثاني فربما يكون نفثة حبر لكاتب/ كاتبة، مهووس بحب الإثارة؛ لأنه على يقين بأن لولا هذه الإثارات البلهاء لما قرأ الناس مقاله/ مقالها أصلا. وهذا الاحتمال يتفرع منه قسمان؛ الأول: أن صاحب/ صاحبة القلم يعاني من الخرف الفكري وهستيريا الاستنزاف الطائفي، وهؤلاء لا يفيد معهم إلا رفع دعوى ضدهم، فإما تثبت الحكومة جنونهم وليس لهم إلا مستشفى «المجانين» أو دار العجزة، وإما يثبتون أن لهم ذرة عقل فيزجون في السجن قبل أن يحرقوا الدار بمن فيها. والقسم الثاني وهو الاحتمال الأخطر، أن يكون هؤلاء، مسنودين أصلا من جهات عليا، (وهذا ما لا نتمناه)، فسنجد حينها أن الجدير بالمساءلة والمحاكمة ليسوا هم فقط، وإنما القناة الإعلامية التي فتحت ذراعيها لهم، والوزارة المعنية التي كانت ومازالت تسمح لهذه القنوات بضم أمثال هؤلاء، بل والحكومة نفسها التي تغض الطرف دائما عن هذا الشرر الذي إن أحرق هذه الجزيرة الصغيرة غدا (لا قدرالله) فلن يستثنيها. على هذا المنوال باستطاعتنا أن نقيس الفعل وردات الفعل، ونعرف بعد ذلك كيف نتعامل مع كل فتنة أثيرت وستثار. فلغة البيانات والمقالات والخطب الاستنكارية أصبحت أضحوكة لمثيري الفتن أصلا، بل تشجعهم للمزيد من أجل شهرة أوسع، ونفوذ أكبر لأفكارهم المنبوذة من جميع الأطراف النزيهة. لنتعلم إذا كيف نتعامل بذكاء مع كل ضجيج مفتعل.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 1604 - الجمعة 26 يناير 2007م الموافق 07 محرم 1428هـ