العدد 1600 - الإثنين 22 يناير 2007م الموافق 03 محرم 1428هـ

أمزجة مريضة وعقبات في وجه الإصلاح

نادر كاظم comments [at] alwasatnews.com

.

في مقابل رهاب الحكومة وخوفها المَرَضي المتمكن من كل ما هو شيعي، صار لدى الشيعة رهاب اسمه «حكومة فوبيا»، ويظهر هذا الرهاب في صورة ارتياب دائم من الحكومة ومؤسساتها ومناصبها، وفي صورة «تسقيط» معهود لكل شيعي يتقلّد منصبا رفيعا في الدولة بحيث صار كل وزير أو وكيل أو مدير شيعي على موعد مع هذا «التسقيط» الشيعي العام. وصار هذا الرهاب بمثابة المزاج المتجذر لمعظم الشيعة، أقول «مزاج» لأنه لا يعبّر عن حال عقلية ولا عن تفحص واع ولا عن تبرير منطقي مقنع، وهو متجذر ؛لأنه ليس متغيّرا وسريع التقلب على خلاف ما هو شائع عن «المزاج/الموود» في الاستخدام اللغوي العام.

ولـ «التسقيط» في الحالة الشيعية سوابق تاريخية، ومن بين هذه السوابق ما كان أيام الهيئة في الخمسينات، ووقتها كان «التسقيط» يصل إلى حد العنف والتهديد به، وفي هذا السياق يذكر فؤاد خوري أن بعض المواطنين ممن تعاملوا مع الحكم وتعاطفوا معه قد تعرّضوا للتهديد بواسطة الهاتف أو الإهانات المباشرة أو الاتهام بالعمالة والخيانة. وكان من نتيجة حملة «التسقيط» الخمسينية هذه أن «نزحت عن القرى واستقرت في المدن العائلات الشيعية التي كانت تتعامل مع نظام الحكم آنذاك» (القبيلة والدولة، ص310).

وفي سياق الأمراض النفسية هذه تشكّل مزاج سني عام يظهر في شعور معظم السنة بالألفة والوئام مع الدولة، وأن الدولة دولتهم، وأن مناصبها الرفيعة ومواقعها الحساسة خاصة بهم من دون غيرهم كما هو الحال في الجيش والأمن والسلك الدبلوماسي والمصرف المركزي والجهاز المركزي للمعلومات... حتى صار كل موقع رسمي ذي طبيعة مركزية حكرا على السنة باستثناء سوق المنامة المركزي!. ولهذا تجد المبتلى بهذا المزاج من السنة واقعا في حال من الدهشة والصدمة حين يتعيّن شيعي في منصب وزير أو وكيل، أو حين يأتي فوقه في السلّم الوظيفي مدير شيعي، وكأن هذه حال شاذة وغير طبيعية، ومثل كل الحالات الشاذة فلا ينبغي لهذه الحالات أن تؤسس لنسق منتظم ولا أن تصير عرفا رسميا معترفا به. وأتصور أن هذا هو ما يعيشه بعض السنة من «رهاب» حقيقي من أن تصير هذه الحالات الشاذة والغريبة حالات عامة ومتكررة ومعترفا بها؛ ولا أجد من سبب غير هذا لتفسير ذلك الهلع المريع الذي انتاب بعض السنة إبان الأيام الذهبية التي كانت - كعادة الفرص العزيزة تماما - سريعة الفوت بطيئة العودة، إذ كانت الأيام التي جرى فيها التصويت على «ميثاق العمل الوطني» في العام 2001 عرسا وطنيا في جانب معيّن، فيما كانت جماعة من السنة تمر بأسوأ أيامها، وانتابها خوف عميق من أن يجلب «ميثاق العمل الوطني» مصالحة حقيقية وشاملة بين الشيعة ونظام الحكم، فتكون عواقب هذه المصالحة أن يدخل الشيعة على خط المنافسة في المناصب والامتيازات والخيرات العامة التي ظلت حكرا عليهم لسنوات طويلة.

كان الخوف من هذه المصالحة مستحكما بين هؤلاء. وتعادل رهاب هؤلاء من المصالحة برهاب الشيعة من القرب من الدولة حتى كان ما كان في العام 2002، فعادت المطابقة إلى حالة قريبة من سيرتها الأولى. بل تجذّرت هذه المطابقة بين السنة والموالاة، والشيعة والمعارضة حتى صارت بمثابة إكراهات حاكمة تمارسها الطبيعة والفطرة على السني ؛ليكون مواليا، وعلى الشيعي ؛ليكون معارضا. وهو الأمر الذي جعل المزاج الشيعي العام يقوم على أن الأولوية في المناصب والتوظيف و»الخيرات العامة» هي للسني وليست له، فيما صار السني يتصور أنه أحق بكل منصب وبكل خير من «الخيرات العامة» من أي شيعي. بل صار المزاج السني العام يتصور أن أية محاولة حقيقية للإصلاح السياسي لا تعني له إلا شيئا واحدا هو استيلاء الشيعة على الحكم.

والحق أن هذا خوف مزيّف، ويظهر زيفه في تظاهر هؤلاء بأن خوفهم يأتي أساسا من استيلاء الشيعة على الحكم لا من أحقية الشيعة، كمواطنين، في أن يكون لهم نصيب من منافع المواطنة وخيرات الدولة العامة، وبهذه الطريقة تبقى ملكية الخيرات العامة محفوظة في مواقعها القديمة، بالإضافة إلى أن هذا التظاهر الكاذب يضمن لأصحابه أن يظهروا أمام الحكم في صورة الموالين الحقيقيين له، وأنهم لا يقومون بكل هذا من أجل مكسب أو مغنم أو خير عام يخصهم بل من أجل حفظ نظام الحكم. وهذه استجابة قديمة ومعهودة، وعادة ما تصدر من قبل الجماعات الموالية حين تتعرّض لخطر يهدد احتكارها للمنافع والخيرات العامة. ويمكن أن ندلل عليها بموقف القبائل السنية التي كانت تعارض إصلاحات العام 1923 حتى وصل الأمر ببعض هؤلاء إلى القيام بمحاولة فاشلة لاغتيال الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة (حاكم البلاد) في 13 أكتوبر 1926 عندما «أطلق رجال مجهولون النار على الشيخ حمد بن عيسى في محاولة لقتله بالقرب من قرية البديع» (البحرين: مشكلات التغيير السياسي والاجتماعي، ص333)، ولم يعرف المدبرون لهذه المحاولة إلا في العام 1928. وكانت معرفتهم مفاجأة كبرى. والسؤال هو: هل إقدام هؤلاء على مجرد التفكير في اغتيال رأس الدولة قد كان بدافع خوفهم من استيلاء الشيعة على الحكم؟ أو أن هذا الخوف كان مزيفا ويخفي وراءه خوفا حقيقيا من تهديد مصالحهم وامتيازاتهم غير المستحقة أصلا؟

وموقف القبائل السنية من إصلاحات العام 1923 سابقة سيعيد التذكير بها في الخمسينات موقف الأخوان المسلمين من هيئة الاتحاد الوطني، وفي هذا الصدد ينقل فلاح المديرس عن عبدالله أبوعزة أحد قياديي جماعة الإخوان المسلمين أنه قال: «إن الحركة الشعبية كانت تتهم الإخوان بالعمالة للحكومة وللإنجليز، وأن الإخوان - من جانبهم - كانوا يتهمون الحركة بأنها انساقت ؛لتصبح سلما لأغراض الشيعة الرامية إلى السيطرة على مقدرات البلد» (الحركات والجماعات السياسية في البحرين، الطليعة الكويتية، 31 أغسطس/ أب - 6 سبتمبر/ كانون الأول 2002، العدد 1542. وفي كتاب المؤلف وردت كلمة «الشيوعية» محل «الشيعة»، وهو فيما أتصور خطأ مطبعي، ص126).

وفي المقابل من هنا كان الشيعة يدعمون أية محاولة إصلاحية على اعتبار أنهم هم المستفيدون من أي إصلاح سياسي أو إداري يجري في البلاد. بل صار أي إصلاح سياسي لا يعني، لدى الشيعة، إلا أنه محاولة للاعتراف بهم كمواطنين لهم مثل ما لغيرهم من حقوق، وعليهم مثل ما على غيرهم من واجبات. هذ ما كان في إصلاحات العام 1923، وهذا ما تجدد في إصلاحات العام 2001، وهذا ما سيكون في أي مشروع إصلاحي مقبل!

ويمثّل هذا التعارض الحاد في الموقف من الإصلاح السياسي عقبة كأداء في وجه أي إصلاح حقيقي، بل في وجه أية مصالحة وطنية حقيقية، وهو ما سنعود إلى مناقشته في مقالة الأسبوع المقبل.

إقرأ أيضا لـ "نادر كاظم"

العدد 1600 - الإثنين 22 يناير 2007م الموافق 03 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً