العدد 1600 - الإثنين 22 يناير 2007م الموافق 03 محرم 1428هـ

المسكوت عنه في الكويت: المستقبل

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

في الوقت الذي تشهد فيه الساحة الإقليمية المحيطة بالكويت عواصف سياسية ضارية، يحاول البعض تسخين الساحة الداخلية لهوى قد لا يصب في المصلحة العامة. فبعد أن قدم وزير الإعلام محمد السنعوسي استقالته، صار الحديث ساخنا عن استجواب وزراء آخرين، تقدمهم وزير الصحة،ويشيع البعض علنا أن وزراء آخرين يقفون في صف الاستجوابات الآتية.

على رغم القول المرسل إن «الاستجواب حق دستوري» إلا انه كأي حق آخر في المجتمع أو في المدونة القانونية، إذا استخدم في غير وجهه هو «تعسف» في الاستخدام يأتي بالضرر على المصالح العامة للمجتمع. ويترك، حتى لو لم يطح بالوزير، طعما من المرارة تسمم العمل السياسي، كون المجتمع صغيرا تقوم العلاقة فيه على الوجه للوجه.

ويبدو أن أولويات البعض في المجلس العتيد، هي أولويات تهتم بالشكل وتتجاوز المضمون،ففي استطلاع قبل أسابيع نشرته جريدة (القبس) لأعضاء في مجلس الأمة الحالي، تبين أن على رأس قائمة الأوليات في ذلك الاستطلاع تعويم «الديون» الشخصية، وآخر الاهتمام في ذلك الاستطلاع «تطوير النظام التعليمي» وهو استطلاع لافت للنظر، إذ يقدم الآجل على العاجل الجانبي على المهم،وينم عن فقدان الرؤية الاستراتيجية.

الشكوى القديمة نفسها التي تردد بشأن العمل السياسي في الكويت تتكرر من جديد، وهي أن القوى السياسية متحركة وغير ثابتة، لا في شخوصها ولا في أهدافها، تتنازعها الأهواء،ومن الصعب متابعة المجموعات «المتكتلة» بسبب تغير أشخاص تلك التكتلات وتغير أولوياتها، حتى تقود في النهاية إلى القول إن العملية السياسية في الكويت هي بامتياز عملية فردية بحتة.

غياب التقاليد الديمقراطية تجعل من القوى السياسية التي تعودت على أن المعارضة بالصوت العالي هي التي تكسب الأصوات في الشارع، تصاب بعد طول ممارسة، بضعف الرؤية «البديلة». فهي تركز فقط على الأشخاص، بدلا من السياسات، ومن دون تقديم بديل في السياسات غير الرغبة في تبديل الوجوه.

يصاب المتابع بإحباط وهو يرى أن المطالبة بالتغيير هي مطالبة بتغير أشخاص في قمة هرم الإدارة، وفي بعض الأوقات تظل السياسة كما هي من دون تغيير، ويطوى الموضوع أو الموضوعات التي كانت مثار جدل حاد، بمجرد تغيير الوجوه... وأخطر ما تصاب به الممارسة الديمقراطية هي «الشخصانية» فهي فساد دونه أي فساد آخر.

تتغير الوجوه بسرعة في مسيرة العمل السياسي في الكويت، إلى درجة أن أكبر عدد من الوزراء السابقين عربيا» بعد الأردن، هم في الكويت. كما يستمر الوزير على رأس وزارة واحدة زمنا قصيرا لغاية، وبعد العام 1990، لا أكثر من سنة ونصف في المتوسط.، وهي فترة زمنية لا تتيح حتى لمن أوتي حتى قدرات استثنائية أن يقدم «خدمة طويلة الأجل للمجتمع». أن مثالب هكذا أمر لا تخفى على العقلاء، فالتهديد الذي يصادف الوزير، يجعله قابلا للانحناء لمطالب في كثير منها مضاد للمصالح العامة، ومعطلة للتنمية ومقعدة للأداء السليم، ومحبطة لطاقم العمل. فما بالك إذا طالت «الشخصانية» كما هو مقرر، القيادات العليا في الوزارات والمؤسسات المختلفة،إذ يقوم الوزير «القلق» من بعبع المحاسبة،عن حق أو غير ذلك، بالاستفراد بالمؤسسات، على أساس «الإصلاح و التغيير» حتى استتب الأمر لقبول شيء غير طبيعي في علم الإدارة العامة على انه طبيعي وهو ما تسميه الممارسة البيروقراطية الكويتية «بالتدوير». والفعل أصلا تقوم به الأحزاب الحاكمة في «التدوير الضيق» ولضرورات سياسية قصوى في قمة السلطة. أما التدوير في الإدارة البيروقراطية العليا،فهي «بدعة» كويتية بامتياز، ومخالفة لما تعارف عليه في فنون الإدارة الناجحة، فإما أن يكون المسئول الفرد صالحا لعمله ومتخصصا في الخدمة التي يشرف عليها، وأما ليس له علاقة بها. بيد أن ينقل المتخصص في «الإدارة المالية» مثلا إلى إدارة «النقليات»، ويسمى ذلك «إصلاحا» فهي إضاعة للجهد والمال والوقت، وفرصة للتشفي الشخصي، ومدخل للشللية، وإهدار للقوى البشرية، التي هي نادرة أصلا، أكثر مما هو «خدمة للمصلحة العامة». ومن العجيب أن نسمع من كثير من القياديين على صفحات الصحف، أن «لا تدوير هذا الموسم»، إن شاء الله في الموسم المقبل! ويُقبل هذا الأمر على ظاهره وكأنه إصلاح، في الوقت أن أصله منافٍ لذلك. ويقول المناطقة: إن أي فعل بلا تاريخ لا تاريخ له، والتدوير الإداري فعل بلا تاريخ في الإدارة، سواء العامة أو الخاصة، فكيف يمكن تأسيس تاريخ له؟ وهل تريث احد ليسأل ترى ما هي نتائج التدوير الإداري الملموسة الذي طبق بحماس حتى اليوم. في يقيني إن كان له نتائج، فهي سلبية على الإدارة.

الاعتماد على «أهل الهوى وأصحاب اللسان» في إدارة العمل العام هو اعتماد يعطل المصالح العليا للمجتمع، لقد خاض أهل الرأي قبل أشهر قليلة معركة سياسية في الكويت أدت في النهاية إلى «إصلاح قانون الانتخاب» وكان المؤمل أن يطبق هذا الإصلاح بمجرد إقراره في قانون، خصوصا بعد أن استثمرت فيه طاقات المجتمع، على أساس أن القائم من «الدوائر الخمسة والعشرين» ثبت قطعا خللها المعروف للجميع، فأين «الإصلاح» إذا كنا سنترك الأمر إلى أن يأتي صدفة أو ينتهي نهاية زمنية بعد سنوات، نكون فيها قد تراجعنا أكثر وأكثر في الإدارة العامة.

إذا كان الاستنتاج العام في مسيرة العمل البرلماني الكويتي هي انه كل ما تقادم زمن الانتخاب حميت ساحة «الاستجوابات» ،فان المقدر أن تجر «ممارسة الاستجواب» العدد الأكبر من الوزراء إلى المنصة في الأشهر المقبلة. وعلى الأقل هناك اليوم أربعة من الوزراء مرشحون في وقت قريب لخوض التجربة، يرشحهم هذا الفريق البرلماني أو ذاك النائب للوقوف على المنصة بعض صيغ الاستجواب لها مبرر والأخرى لا مبرر لها. وهو أمر يعيد من جديد دائرة التعطيل السياسي، التي مورست في الدورات السابقة، والقائمة على الدوائر الخمس والعشرين، هذا الأمر مرشح للتصاعد الزمني. بشكل طردي مع التقادم الزمني، في الوقت الذي تعطل فيه مصالح الناس، ويغوص فيه عمل الدولة للانشغال بالجانبي على الجوهري وبالتكتيكي على الاستراتيجي.

حقيقة الوجود هي الاعتدال، والحياة نفسها هي نسب معتدلة من الرطوبة واليبوسة، والحرارة والبرودة، والاعتدال تجانس، كما انه القاعدة في الصيغ الاجتماعية وليس الاستثناء، وعلينا فقط أن ننظر حولنا لنرى التهلكة التي أوردت مجتمعات أخرى صبغت بصبغة «التطرف» أي كانت شاكلته. الاستبداد الغلو شذوذ يدينه الحكماء، والاستمرار في الاعتدال يحتاج إلى أصوات عاقلة وشجاعة تطالب دائما وترفع الصوت عاليا بتخليص الشخصي من العام، والمطالبة بالبديل الموضوعي للسياسات بدلا من السعي الحثيث لتغيير الأشخاص. والاعتناء بالجوهري على الطارئ.

أن أهم معضلة يواجهها المجتمع الكويتي اليوم هي إهمال المستقبل،وعودة إلى تلك الأولويات التي ذكرت ونشرت في القبس من أصحاب الحل والعقد، تدل دلالة واضحة على أن الاهتمام بالقائم المؤقت وإهمال يكاد يكون مرضيا بالمستقبل، فالتعليم والاقتصاد عاملان جوهريان ليس لهما في الأجندة العامة أولوية واضحة وجادة،كما أن ثقل البيروقراطية المميت في بلد صغير يزداد عبئا، فهل نطمح بالعودة إلى الحديث عن «تطبيق الإصلاح الانتخابي» عاجلا، كمدخل قبل تفاقم الأمور إلى الأسوأ! لعل في ذلك تنبيه إلى ضرورة التفكير في المستقبل.

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1600 - الإثنين 22 يناير 2007م الموافق 03 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً