العدد 16 - السبت 21 سبتمبر 2002م الموافق 14 رجب 1423هـ

مناهجنا بحاجة إلى إعادة صوغ

محمد عبدعلي comments [at] alwasatnews.com

.

لماذا تقدمت اليابان إلى هذا المستوى التكنولوجي الهائل، وبقيت دول العالم الثالث تراوح في مكانها وتدور في حلقة مفرغة وهالة من العظمة الكاذبة والأناقة الزائفة؟

للإجابة عن هذا السؤال نقل لي أحد الأصدقاء المهتمين بهذا الشأن قصة ظريفة تفسر في اعتقادي ما وصلت إليه اليابان من تقدم وازدهار ونمو سريع وتطوّر نافس من كانوا في الغرب في يوم من الأيام يحتاجون إلى حني رؤوسهم للأسفل لينظروا عموديا إليها فها هي اليوم تنظر إليهم بعين بارقة في عيونهم وبكل جرأة وفي المستوى الأفقي نفسه.

القصة في اختصار هي عندما تم اكتشاف الآلة البخارية في القرن السابع عشر، حين أرسلت البلدان فلذات أكبادها لينهلوا العلوم من الغرب وليأتوا الى بلدانهم مطوّرين ومنقذين كان احد الطلبة المبعوثين من اليابان من ضمن البعثات الذاهبة للدراسة، ولكن الفرق بينه وبينهم هو انه جاء في مهمة واضحة في ذهنه، جاء لينقل عمليا ما هو موجود في الغرب وليس نظريا فقط. فبعد دراسته بضعة شهور اكتشف ان ما يكتسبه نظري وأنه إذا ما استمر على هذه الحال فإنه لن يقدّم إلى بلاده شيئا عند عودته، لذلك قرر شراء الآلة البخارية نفسها والعكوف على دراستها بصورة دقيقة ليكون قادرا على صناعة مثلها تماما عندما يعود إلى بلده.

وهكذا قضى السنوات الأربع التي كان يفترض ان يقضيها بين اوراق الكتب قضاها بين زيوت وموارد صناعة هذه الآلة وطريقة عملها، وهكذا عاد بالخبرة العملية التي كانت اللبنة الأولى في بناء اليابان الحديث، عادا مشمّرا عن اكمامه، لابسا بدلته الصناعية وخوذته ليعمل ويعمل، ويعلّم من لا يعلم، أما الآخرون فقد عادوا بربطات أعناقهم وغريب تسريحاتهم، تفوح منهم رائحة العطر الباريسي الفاخر، عادوا ليجلسوا على مكاتبهم، ويطرحوا افكارهم النظرية التي درسوها نظريا فقط، وليكونوا رؤساء على العاملين الذين يسيرهم الخبراء الأجانب في شركاتهم، من دون ان يكون لهؤلاء الرؤساء أدنى دخل في التطوير العملي الحقيقي الذي يحتاج إليه المجتمع ليتقدم من الداخل لا أن يفرض عليه من الخارج!

لذلك فلنتساءل معا؟ ما هو قدر التقدم العملي الذي يخلقه ذلك الشاب الذي درس في الخارج لينقل الينا خبرات غير موجودة في بلادنا؟ وإلى اي مدى تخرج جامعاتنا طلبة عمليين قادرين على انتاج الجديد وإبداع وابتكار حديث؟ هل حصل في كلية الطب مثلا أو الهندسة كما يحصل في الجامعات الغربية العريقة من اكتشاف علاج لمرض أو الوصول الى دواء ناجع لسقم، أو تطوير هندسي على المستوى الصناعي لآلة معيّنة؟

أين الخلل، هل هو في مناهجنا الغارقة في الجانب النظري فقط أم في طبيعة حياتنا التي أصبحت تميل إلي الرفاهية واستخدام الغير؟ في اعتقادي نحن بحاجة إلى وقفة شجاعة ناقذة على المستويين الشعبي والرسمي لإعادة صوغ مناهجنا وإعادة ترتيب أولوياتنا لنخرج من هذا المطب التاريخي المظلم الذي تتخبط فيه دول المنطقة عموما

العدد 16 - السبت 21 سبتمبر 2002م الموافق 14 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً