العدد 1599 - الأحد 21 يناير 2007م الموافق 02 محرم 1428هـ

الأحمر... وقصّة الإنسان

محمد المخلوق comments [at] alwasatnews.com

المخيال الشعبي البحريني اتّصف ولايزال بعدائية شديدة تجاه اللون الأحمر، وغدا يماهي بين الأشياء البغيضة وبين ذلك اللون، وأول ما تقفز على اللسان المماهاة بلا فاصلة بين الحمرة و«الشمر» ذلك الكائن الذي حوّلته الأسطورة إلى «مسخ»، ما يحمل دلالة تتسع لكل الحمرة التي يمكن أن يكون عليها الشمر، قلبا دمويا، لباسا قانيا، ووجها مصبوغا بحمرة الجغرافيا والتاريخ.

وهنا لا أزال أذكر أنني منذ صغري أحاول أن أقسر نفسي على كُرْه هذا اللون الذي أحبّه من داخلي، لا لشيء إلا لأن أمي كانت تنهرني بسببه، بل وتتخذ موقفا عدائيا من الحمرة، من غير أن تحمّل الحمرة أي مدلول إيجابي يحيل إلى إنجازات.

وأعتقد هنا أن العملية جرى عليها خلط وطمس وتشويه، فالأحمر يحمل سلبياته وإيجابياته التي تتحدد وفق الظرف. وبالعودة إلى الملفوظ العربي نجد أن الأحمر يُحمّل دلالات قاسية وسلبية غالبا، (احمرّ البأس، الموت الأحمر، حمراء الظهيرة، حمراء الشدقين)، مع دلالات إيجابية أو دالة على الاستضعاف (حُمْرُ النعم، فلان أحمر أي لا سلاح معه).

ونفسيا أيضا هناك تباين، إذ يرمز الأحمر إلى الأشخاص الذين يهتمون بحياتهم المادية اهتماما بالغا، الغضب، الجرأة، التركيز على الجانب الحسيّ، المتع الجنسية، إثارة الإفتان والثأر. وفي الآن ذاته يرمز إلى الحرارة، الدفء، العزم والحيوية الدافقة، القوة والشجاعة والأمانة، الخيال المجنَّح، حب الجماعة، الفرادة. وفنيا نلحظ التباين فالأحمر يعتبر من الألوان المتوسطة والشديدة، ودينيا يرمز إلى الاستشهاد فيما يرمز أيضا إلى «جهنم الحمراء».

إذا تعددُ الدلالات وتباينُ المفهومات وتصارعُها يجعل هذا اللون لونا مميزا، ومفارقا بشكل يدلّل على عمق الصراع الذي خلقته كربلاء على الأصعدة كافّة، إذ صار الأحمر جانيا ومجنيا عليه، وتحوّل إلى نعيم وجحيم، على رغم أنه لون واحد، ولكن سياقاته تحدّد الموقف منه، فالحسين بشرٌ، والشمر - مهما كان استكلابه واستذئابه المعنوي - بشرٌ أيضا، أحدهما صعد والآخر تسافل، ليجسّدا في النهاية قصة الإنسان.

العدد 1599 - الأحد 21 يناير 2007م الموافق 02 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً