في الفترة السابقة كنت قد كتبت مقالا بخصوص وضع المرأة من خلال نتائج الانتخابات، ولكنه كان يستند في الأساس إلى النتائج الأولية للجولة الأولى من الانتخابات النيابية والبلدية، عبرت حينها عن النتائج بأن المرأة خرجت من الانتخابات بخفي حنين، وعلى رغم كوني لم أكن متفائلة بمدى نجاح المرأة في الوصول، ألا أنه في الكثير من الأحيان تختلط الأمنيات بالتوقعات، كنت قد تمنيت أن تفوز إحداهن في سبيل كسر الحاجز النفسي الذي وجد دون سابق إنذار ويزداد سماكة مع الزمن.
فقد شاركت 18 مرشحة للعمل النيابي و4 للبلدي، وأسفرت النتائج بخروجهن جميعا من المعركة الانتخابية صفر اليدين، والبعض منهن عبرن عن موقفهن بأنهن كسبن محبة الناس وتقديرهنّ، فالرجال لهم المقاعد في البرلمان، والنساء لهنّ المقاعد في القلوب.
أولا سنستعرض النتائج التي حصلت عليها المرشحات من المراكز الفرعية والعامة ومن خارج البحرين بالأرقام والنسب بحسب ما أطلعتنا عليه الصحف المحلية، وبشكل تنازلي:
أعلى نسبة سجلتها مرشحة جمعية وعد المدعومة من قبل الوفاق في رابعة الوسطى منيرة فخرو، إذ حصلت على 3196 صوتا وبنسبة 42 في المئة من الأصوات وقد كانت نسبة الأصوات الفارقة بينها وبين منافسها بحسب المركز الفرعي 12 صوتا فقط، بينما نجد أن المساعدات أتت إليه تمطر من المراكز العامة.
تليها المرشحة المستقلة بثامنة الوسطى فوزية زينل، إذ حصلت على 2598 صوتا وبنسبة 34 في المئة، وتعد المرشحتان السابقتان من أعلى النسب التي حصلن عليها، تليهن المرشحة المدعومة من جمعية الميثاق أمل الجودر إذ حصلت على 1529 صوتا وبنسبة 16 في المئة، بعدها المرشحة المستقلة في رابعة المحرق زهراء مرادي إذ حصلت على 782 صوتا وبنسبة 11 في المئة، تليها المرشحة المستقلة بأولى الجنوبية مريم الرويعي 534 صوتا وبنسبة 14 في المئة، المرشحة المستقلة حنان الكواري بسابعة الشمالية إذ حصلت على 512 صوتا وبنسبة 7 في المئة، بعدها المرشحة المدعومة من المجلس الأعلى للمرأة بسابعة العاصمة ضوية العلوي إذ حصلت على 457 صوتا وبنسبة 11 في المئة وبقية المرشحات الأخريات والتي يبلغ عددهن (9) تراوحت الأصوات التي حصلن عليها من 0 ـ 6 في المئة.
ومن خلال تحليل النتائج السابقة يتضح جملة من الملاحظات ربما من أهمها: أن المرأة كانت قاب قوسين أو أدنى في الفوز على رغم ذلك لم تصل أي منهن إلى الدور الثاني بخلاف نتائج الدورة الأولى 2002، إذ تأهلت اثنتان منهن إلى الدور الثاني، ولكن المجتمع بفئاته قرر دعم الرجل على المرأة فسلم صوته لصالحه، وهذا ما حصل في سابعة الشمالية وأولى الجنوبية.
لن أتكلم عن رابعة الوسطى فقد أفردت لها مقالا سابقا، كما أن المعطيات بدت جدا واضحة والجميع يتحدثون عنها صغارا ،وكبارا ،نساء ،ورجالا، بخصوص المرشحات المستقلات فقد بذلت فوزية زينل جهدا بالغا في إدارتها لحملتها الانتخابية فكانت بحق أكثر من رائعة، ولكنها كانت تنافس نائبا موجودا ومدعوما من المنبر الإسلامي إلى جانب كون الدائرة منغلقة فكريا، ولا تزال تنظر إلى المرأة نظرة ضيقة، بحسب الموروثات الاجتماعية التي تنتقص من قدر المرأة، وتضعها في المنزل لإدارة شئونه، وكانت تستحق التكريم والتعيين في الشورى، وقد أعربت ذات مرة في أحد تصريحاتها عن رغبتها في الدخول إلى الشورى كمعينة فيما لو خسرت في المعركة الانتخابية ولكن الجهات الرسمية لم تتعاط مع رغبتها بجدية، الأمر نفسه قد ينطبق على مرشحة أولى الجنوبية رئيسة الاتحاد النسائي التي كانت تنافس النائب السلفي المستقل جاسم السعيدي، برغم ما بذلته هي الأخرى من جهود، الغريب في الأمر في أن مرشحة سابعة العاصمة مدعومة من المجلس الأعلى للمرأة وحصلت على دعم مادي جدا واضح في حملتها الانتخابية بل كانت فكرة السيارة الانتخابية الجائلة فكرة مذهلة ليس بمقدار أي من المرشحات أو المرشحين اقتناءها برغم ذلك لم تستطع استقطاب الأصوات الكفيلة بفوزها، كما أن المرشحة بدرية المسلماني والتي كانت مدعومة من جمعية الشورى الإسلامية، لا تبدو حظوظها أفضل من غيرها من المرشحات الأخريات بل ربما تقل عنهم كثيرا على رغم كونها مدعومة من إحدى الجمعيات السياسية، ومع ذلك لم تحصل سوى على 54 صوتا فقط، الأمر يحتاج إلى تحليل فهل تريد الجمعيات السياسية أن توصل رسالة مغلوطة إلى المجتمع مفادها أن المرأة غير مرحب بها في العمل السياسي وإن كانت مدعومة من الجمعيات السياسية؟ أو أن المرشحة نفسها اقترفت خطأ كبيرا باعتمادها على الجمعية وإمكان جر الأصوات إليها وبالتالي ضمنت الفوز ولم تبذل قصارى جهدها؟
زهراء مرادي كان البعض يتوقع لها أن تروح إلى الجولة الثانية، ولكن لطبيعة الدائرة ومنافستها لأحد النواب الموجودين إلى جانب الأب الروحي لتيار وعد والمدعوم من الوفاق، أضاع عليها الفرصة، كما أن المراقبين يرون بأنها هي الأخرى ضيعت الفرصة أمام المعارضة لكسب الدائرة من الجولة الأولى، إذ ساهم وجودها في تشتيت الأصوات، وتعد من أولى المرشحات التي أعلنت رغبتها في الترشح في الدائرة وهذا صعب من قرارها بالانسحاب.
كما أن بعض المرشحات كن أسماء جديدة على الساحة ومع ذلك كن يتطلعن للفوز، أرجو ألا تكون التجربة عليهن قاسية تمنع ظهورهن من جديد بل عليهن الاستفادة منها أيما استفادة، وبمقارنة النتائج والأرقام وحجم الطموح الذي استطيع قياسه من خلال خطابات المرشحات تارة ومن خلال تصريحاتهن تارة أخرى، يبدو أن هناك فجوة كبيرة، وأظن بأن التكتيكات الانتخابية كان لها الفضل الأكبر، ولكن لنكن صريحين أكثر مع أنفسنا وليس كفاءة المرء في العمل السياسي يقدر بالمؤهلات العلمية أو بمدى نجاح المرء في عمله، فهذا قد يعد مؤشرا للنجاح ولكن لا يعني الاستحقاق.
من خلال الاطلاع على النتائج النهائية اتضح أن هناك الكثير من الحقائق تتكشف لنا بصورة أكبر عند الوقوف على الأرقام عندما تتكلم، خصوصا أن المراكز العامة التي نجحت نجاحا باهرا في العمل على إيصال مرشحين باحتراف لم تكن هي الأخرى كريمة وسخية مع المرأة.
وتؤكد القراءة الأولية للنتائج بأن المراكز العامة هي الأخرى تؤصل ذكورية المجتمع وتهمش المرأة في العمل السياسي بدليل أن بعض الدوائر شهدت تقاتلا بين المرأة الرجل، وجاءت المراكز لتهزم المرأة وتضحي بها وتقدم المقعد النيابي للرجل. والأرقام إذا نطقت تخرس الألسن، فبعض الدوائر نالت من المراكز الانتخابية ما نالتها ولو جمعنا كل الأصوات التي حصلت عليه النساء في كل الدوائر من خلال المراكز العامة فلن تصل لنصف الأصوات التي حصل عليها أحد المرشحين وضمنت له الفوز الأكيد.
انظروا إلى رابعة الوسطى وأولى الجنوبية، وفيما يلي إبراز لأهم النتائج تنازليا:
سجلت أعلى كتلة صوتية منها إلى مرشحة أولى الوسطى أمل الجودر وحصلت حينها على 376 صوتا.
رابعة الوسطى منيرة فخرو 331 صوتا.
ثامنة الوسطى فوزية زينل 303 أصوات.
سابعة الشمالية حنان الكواري 86 صوتا.
خامسة العاصمة 71 صوتا.
أولى الجنوبية مريم الرويعي 70 صوتا.
رابعة المحرق زهراء مرادي 68 صوتا.
سابعة الوسطى صفية بوعلاي 68 صوتا.
ثانية الجنوبية سهام الشيخ 52 صوتا.
خامسة الشمالية فاطمة إبراهيم 42 صوتا.
ثانية العاصمة جميلة السماك 13 صوتاص، ومثلها سابعة الشمالية فتحية القيم.
ثانية المحرق بدرية المسلماني 10 أصوات.
رابعة العاصمة أمينة عبدالله 5 أصوات.
ثانية المحرق هدى المطاوعة 4 أصوات.
بينما قاطعت المراكز العامة مرشحة سابعة العاصمة ضوية العلوي فلم تحصل منها على أي صوت.
من خلال النتائج السابقة وأيضا بالرجوع إلى نتائج الدورة الأولى يتضح أهمية نزول المرأة كمرشحة مدعومة من الجمعيات السياسية وفي دوائر تتوافر فيها فرص فوز حقيقية، كما على النساء الراغبات في الترشح أن يعملن من الآن دون انقطاع في الساحة بشكل عام وفي العمل السياسي بشكل خاص، لا أن يكونن ضيوف شرف، في الفترات الانتخابية، وعليهن استغلال تجربتهن في الانتخابات وتعميمها، ولا بد لهن من النظر إلى التجربة نظرة إيجابية وموضوعية في آن واحد وعليهنّ تحديد نقاط الضعف والقوة والجوانب التي تحتاج إلى تطوير سواء على الصعيد الشخصي أو على التجربة الحقيقية عموما.
ويبقى للنساء المترشحات فضل كبير في إحداث نقلات نوعية في وعي المجتمع وإنضاجه، فالمجتمع لا يمكن أن نحكم عليه، إلا عندما نعرضه للقياس والتجريب وبتجربتهن يتضح لنا حجم التغير في إرادتهن. وعموما أرى بأنه بات من المؤكد أهمية التفات الجانب الرسمي لمسألة الكوتا لضمان وصول المرأة بدلا من الانتظار ومن بعدها إقرارها.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1599 - الأحد 21 يناير 2007م الموافق 02 محرم 1428هـ