العدد 1598 - السبت 20 يناير 2007م الموافق 01 محرم 1428هـ

أخلاقيات المياه... الوصايا العشر (2)

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

تم في المقال السابق استعراض نشأة وتطور موضوع أخلاقيات المياه، الذي أصبح حاليا حقلا فلسفيا بارزا يتم طرح مبادئه في المجالات المتعلقة بحاكمية المياه وإدارتها، وبأنه مع محدودية الموارد المائية من جهة، وزيادة المتطلبات المائية للقطاعات المستهلكة وتصاعد المنافسة عليها من جهة أخرى، أصبحت قضايا توفير المتطلبات المائية للقطاعات وتوزيع الحصص المائية بينها، من القضايا الهامة والحرجة، وبأنه لا بد من الضروري النظر إلى الجانب الأخلاقي لإدارة المياه وتوزيعها وخصوصا أن المياه هي سلعة اجتماعية قبل أن تكون اقتصادية. وتم استعراض ومناقشة مبادئ أخلاقيات المياه على المستوى العام المتعلق بأخلاقيات حاكمية مياه (Water Governance)، أي الجانب الأخلاقي في أسلوب إدارة المياه، ومناقشة المبادئ والأسس الأخلاقية في إدارة الموارد المائية وخدماتها، التي شملت حقوق الإنسان وكرامته، والمساواة والعدالة الاجتماعية، والتضامن المجتمعي، والحماية، والشفافية والمشاركة، والمبدأ الداعي إلى اعتبار المياه سلعة عامة يمتلكها المجتمع/ الدولة وليس الأفراد.

أما بالنسبة الى أخلاقيات المياه على المستوى الفردي أو الشركات الخاصة العاملة في مجال المياه فلقد ظهر هذا المبدأ في أوروبا في العام 2000 عندما عقد المنتدى الثاني للمياه في هولندا، الذي تطرق إلى مواضيع وتحديات عالمية حيوية متعلقة بإدارة المياه، تم تحديدها في: تلبية المتطلبات الرئيسية للإنسان من المياه، وضمان الإمداد الغذائي، وحماية الأنظمة الحيوية، والمشاركة في الموارد المائية، وإدارة المخاطر، وتقييم المياه، وحاكمية المياه الجيدة.

ويعتبر «الاتحاد الأوروبي للمياه»، وهو اتحاد مهني غير حكومية يضم في عضويته 29 جمعية من جمعيات المياه الوطنية في دول الاتحاد الأوروبي والتي تضم المختصين والعاملين في مجالات المياه المختلفة، الرائد في طرح هذا الموضوع. وبحسب أدبيات الاتحاد فإن هناك حاجة متزايدة لوجود إرشادات للتصرف العام في مجال إدارة الموارد المائية على مستوى الأفراد والشركات العاملة في قطاع المياه، وبناء عليه طرح الاتحاد مقترح لأخلاقيات المهنة في المنتدى الثاني العالمي للمياه، كما اقترح أن يتم أداء قسم للأفراد العاملين في مجال إدارة المياه، أسوة بالعاملين في المجالات المهنية الأخرى، مثل مهنة الطب. وبعد المنتدى تم تشكيل فريق عمل مصغر لتطوير مبادئ أخلاقيات المهنة (Code of Ethics)، الذي انتهى إلى وضع مسودة لوثيقة أخلاقيات المهنة في قطاع المياه، أو ما سمي بـ «الوصايا العشر». وتنص الوثيقة على:

«يتوقع من أعضاء الاتحاد أن يستخدموا تأثيرهم بأقصى درجة وأن يتصرفوا بأقصى قدراتهم للحفاظ على وضع مائي مستدام بالطرق التالية:

- أن يعمل على تشجيع استخدام المياه المنصف والعادل والمستدام والأخذ في الاعتبار احتياجات البيئة؛

- ألا يسمح، عن علم أو عن قصد، باستنزاف المياه.

- ألا يسمح، عن علم أو عن قصد، بتعريض البيئة المائية أو الموارد المائية للضرر بسبب صرف كميات غير مقبولة لأي مادة ملوثة فيها.

- أن يعي بأن مساهمته في توفير خدمات المياه هي مساهمة هامة في تحقيق الرفاه والتقدم الإنساني.

- أن يشجع على استخدامات الموارد المائية غير الضارة بها أو للبيئة الحيوية التي تعتمد عليها، وأن يعزز هذه البيئة قدر المستطاع.

- أن يعتنق احتياجات المجتمع ويتبناها.

- أن يشجع مبادئ التكامل في إدارة المياه والبيئة بمفهومها العريض.

- أن يستخدم حكمته في خدمة المجتمع وأن يسعى باستمرار إلى التعلم.

- أن يكون قدوة للآخرين في تصرفه المسئول نحو البيئة.

- ألا يشترك في أي عمل أو تصرف فاسد وأن يحافظ على تصرف مهني عالي المستوى ليكون مثالا للآخرين.

ويلاحظ أن هذه المبادئ والالتزامات، التي تم صوغها في مجال المياه كمورد طبيعي وبيئي، يمكن بسهولة تعديلها لتشمل بشكل عام البيئة بمفهومها العريض، وهذا ما يدعو إليه الاتحاد.

وبعد صوغ وثيقة أخلاقيات المهنة المذكورة أعلاه، تم رفعها في العام 2001 لاجتماع مجلس الاتحاد السنوي، والذي قام بتبني الوثيقة وتعميمها على أعضاءه من الجمعيات الوطنية الأوروبية لمناقشتها على المستوى الوطني لمدة عام واحد وإبداء المرئيات والملاحظات عليها وعلى كيفية تطبيقها على المستوى الوطني. ولقد حظيت الوثيقة بالكثير من الجدل والمناقشة على المستوى الوطني، ودارت المناقشات حول تقليص عدد البنود التي وردت فيها أو دمجها، بينما رأى البعض تعديلها بحيث تشمل البيئة بمعناها الواسع لبيان دور المياه الرئيس والحيوي في البيئة وكذلك بسبب احتواء العديد من الجمعيات الوطنية الأوروبية على أعضاء من مجالات أخرى غير قطاع المياه. ويرى الاتحاد بأن مساهمة العلماء والمثقفين والمختصين الأفراد والتزامهم الأخلاقي نحو المحافظة على المياه هو موضوع حيوي وأساسي للوصول إلى بيئة نظيفة ومجتمع صحي، وإن تصرفات المهنيين في مجال المياه يجب أن تكون مثالا للمجتمع كجزء من مساهمتهم في تحقيق التنمية المستدامة.

وأترك القارئ ليتخيل كيف سيكون الوضع لو تم إتباع مبادئ أخلاقيات المياه، أو حتى جزء منها، سواء على مستوى إدارة المياه العام أو على المستوى الشخصي والشركات العاملة في مجال المياه، في إدارة الموارد المائية، والتأثير الذي يمكن يحصل على الموارد المائية والبيئية واستدامتهما وخدماتهما للمنتفعين منهما.

وما يثير الاهتمام هنا هو أن ما توصل له المجتمع الدولي في مجال أخلاقيات المياه والمبادئ التي تم طرحها في مجال التعامل مع المياه كمورد طبيعي، إدارة وسلوكا، هو تماشيها وتوافقها بشكل كبير مع مفاهيم ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف في مجال التعامل مع الموارد المائية والطبيعية. وإنه بخلاف العديد من المجتمعات المنتشرة في مختلف أنحاء العالم، والتي تمتلك ديانات وثقافات وقيم مجتمعية متباينة والتي قد يكون من الصعب تطبيق هذه الطروحات والمبادئ فيها، نجد أن المجتمعات الإسلامية هي الأكثر موائمة والأكثر تقبلا لهذه المبادئ بسبب وجود معظم هذه المبادئ فيها أصلا. إلا أن ما يثير الاستغراب هو عدم الاستفادة من التراث الإسلامي الهائل في مجال أخلاقيات إدارة الموارد المائية في عصرنا الحديث والاعتماد على استيراد هذه المبادئ من خارج المنطقة، والتي تبدو للبعض وكأنها تطور جديد في مجال إدارة الموارد المائية.

سيتم في المقال المقبل استعراض أخلاقيات المياه في الدين الإسلامي والمفاهيم والمبادئ المتعلقة بالتعامل مع المياه، بالإضافة إلى مناقشة بعض القضايا الهامة مثل قضية وضع تعرفة على خدمات المياه ومبادئ توزيع الحصص بين المستهلكين والنهج التشاركي في إدارة الموارد المائية من المنظور الإسلامي.

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1598 - السبت 20 يناير 2007م الموافق 01 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً