فارق كبير بين أن يكون الاختلاف ظاهرة تؤسس لحراك اجتماعي وسياسي ينتهي بتوافقات لا تحيد عن إطار الوحدة الوطنية، وأن يكون - كما هو في البحرين خصوصا - مسارا موجها نحو انفجار طائفي يأتي اليوم أو غدا. أقول هذا مستذكرا ما حملته الشهور الستة الأخيرة من حشد «طائفي» ساهمت بعض أجهزة الصحافة والإعلام فيه وغذته بكل ما تستطيع. أستذكر أيضا فضائح مرت من هنا أواخر العام الماضي، وأخرى في الطريق إلينا. أما الذي زاد «التخوف» وجعله كمتلازمة مرضية فهو هذا «الخرس الجماعي» للقوى الوطنية والليبرالية في البحرين بعد أن استغنت السلطة بالإسلاميين عن الحكوميين منهم، وبعد أن تفردت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية بتمثيل المعارضة في المجلس النيابي لا شريك لها في ذلك.
ماذا تبقى؟... نحتاج بادئ الأمر إلى أن نعترف بأننا نسير إلى انعطاف خطير سياسيا، وأن الأجواء باتت تتقلب بالعراق وما يجري فيه، وأن المجتمع البحريني اليوم محتشد طائفيا بطريقة لم يكن عليها من قبل. ونحتاج ثانيا، إلى أن تعمد قوى التيار الوطني الديمقراطي إلى العودة للساحة السياسية بفعاليات وطنية كبرى ضد الطائفية ومروجيها من الطرفين. نحتاج أيضا إلى أن تعي طبقة رجال الأعمال أهمية أن تدعم هذا التوجه ماديا ومعنويا.
إن لم نصل إلى إقرار هيئة وطنية لمقاومة الطائفية تفضح مروجيها فإنه من الضروري جدا أن يكون لنا نشاط سياسي واجتماعي يمسك العصا من أن تنكسر. وهو ما يجب أن يكون في قائمة أولوياتنا السياسية في هذا الظرف الراهن. يحتاج التيار الوطني الديمقراطي إلى أن يستعيد ثقته بنفسه، ولن تجد هذه القوى أنجع من خيار حفظ التجربة السياسية في هذا الانزلاق الطائفي للدلالة على دورها السياسي الذي تتمتع به، وتؤثر منه وفيه. و «السلطة» ليست بعيدة عن المشاركة في هذا التجمع الوطني المناهض للطائفية، بل إن تأسيسه ودعمه والمشاركة فيه هو من قوام واجباتها التي يجب أن تضطلع بها. أولى واجبات الحكومة اليوم هو أن تعترف بأن ثمة مشكلة طائفية تعصف بالبلاد. نعلم اليوم أن الكثير من الوزارات باتت محكمة الإغلاق طائفيا، وأن أطرافا معينة تسيطر على الداخل والخارج منها، وأن الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ. أضف إلى ذلك، أن بعض الصحافة البحرينية أصبح عامل «تأزيم» طائفي. هذه الإشكاليات مجتمعة في أحضان هذا المجلس النيابي الملغوم تبعث على حال من «اليأس» و «التداعي»، ونحو المزيد من «التشاؤم».
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1592 - الأحد 14 يناير 2007م الموافق 24 ذي الحجة 1427هـ