كلما جد جديد في عالم السياسة، تُذهلني «بُسبس» بمفاجأة من نوع معين! هذه المرأة الطيبة الحنون لا ينضب مخزونها من الحكايات والفضائح في آن واحد! في مكالمتها الأخيرة اتفقت معها على كل شيء إلاّ كلمة «...»، فكان ردها من «نيل» القاهرة وويلاتها وأنين زقاقها الشعبية، وقالت ممازحة: أنت جدع! رفضت «الجدعنه» على مقاس «بُسبس»، إذ إنني لا أعرف مقاساتها في «الجدعنه»؟! وليس من العقل والمنطق القبول بوصف مبهم! ضبط المقاسات وشدها، في هذه الأيام شيء مطلوب من الأسر البحرينية «الماكله قهر... الديون المتراكمة». وعيون (البحرينيين) شاخصة ناحية الزيادات المنهمرة، غير المقطوعة أو المفتتة، على أبناء عمومتنا وأهلنا وجيراننا في بقية الدول الخليجية! ضبط المقاسات هو أمر مطلوب اليوم، خصوصا بعد تقرير الفضائح المنقطعة النظير (تقرير ديوان الرقابة المالية) وفي التقرير الشهير، الذي يعرفه القراء دون الحاجة إلى ذكر اسمه (التقرير غير المسمى). وفي المرحلة التي نخوضها الآن (المرحلة التقريرية) وموضة التقارير والتقارير المضادة والرديفة وتقارير الظل... تتطلب من البحرينيين إعادة تقييم تجربتهم الديمقراطية ومقاساتها. ولا نريد كبحرينيين إصلاحا على الطريقة المصرية التي انتهجت سياسة شد الحزام، حتى لم يجد المصريون ما يشدون عليه أحزمتهم! فالطريقة المصرية جاوزت بدهائها وذكائها «الفراعنة» الذين بنوا الأهرامات وأبوالهول؛ والذين لو طال بهم الأمد لشيدوا «أم الهول»!
ارتفاع غلاء المعيشة وثبات دخل المواطن البحريني، وانعكاس الطفرة النفطية على «رواتب» أبناء دول الخليج الأخرى، اللهم زدهم وبارك لهم فيها، واللهم لا حسد تحتم علينا إعادة النظر في تجربة الإصلاح؛ إذ من غير المنطقي الحديث عن «الإصلاح» من دون أن ينعكس هذا الإصلاح على مستوى معيشة المواطن البحريني. مراوحة للرواتب في مكانها وعدم تناسبها مع هذا الغلاء المتزايد سيؤدي إلى الاحتقان الاجتماعي و«شد الحزام» إلى ما فوق الرقبة! وهي الطريقة التي بدأ بممارستها قطاع عريض من البحرينيين. سياسة شدّ الحزام يسبقها في الغالب سياسة شد اللسان إلى أعلى والتوقف عن الكلام، ويقال إن اللسان ما فيه عظم؛ إلاّ أن بعض الجهات، تصر إصرارا وتلح إلحاحا، على تغييب الحقائق وحرمان الصحافة من الحديث عن أحد التقارير التي وصلت شهرتها عنان السماء، وأزبدت وأرعدت من وقع ما ورد فيه كراسي بعض الكبار. كنا نعتقد أن ربط اللسان أو شده إلى أعلى هو فعل مستهجن في القرن الحادي والعشرين، وتضييق الخناق على الصحف المحلية عن تداول ما يدور في أروقة المحاكم؛ هو تكبيل للأقلام الحرة وتكميم للأفواه مرفوض في دولة يتطلع مواطنوها إلى الحرية.
والخوف كل الخوف، أن تتفشى لدينا أعراف في سياسة الشد مبنية على شد اللسان، وبالتالي التأسيس لأعراف في الشد، وأي شد هذا الذي ننتظره؟! المطلوب من المجلس التشريعي عدم الموافقة على شد اللسان البحريني إلى أعلى، كما أن المطلوب من «المجلس» عدم الموافقة على أية خطوة تجاه مقاسات «الحزام» المشدود أصلا على عموم البحرينيين، في الوقت الذي يعيش فيه «البعض» وحزامه يتدلى من الشبع ومن انتفاخ بطنه! تشاركني «بُسبس» الأمل في أن تتخلص الدول العربية من سياسة الشدّ، فالشد على الشد يورث الندامة، و»كفايه لحد كده يا بُسبس ما توديناش في داهية»... ولنبدأ بشد الأحزمة يا بحرينيين؛ إذ قد لا تجدون غدا ما تشدون عليه أحزمتكم!
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1590 - الجمعة 12 يناير 2007م الموافق 22 ذي الحجة 1427هـ