لم يتمأسس النموذج الجديد للدولة المدنية منذ عصر النهضة مرورا بالحداثة الغربية إلا عبر تعزيز قيمة «الفرد»، وإعطائه جميع مقومات وشروط الحرية في شتى أنشطته الاجتماعية، هذا تحت قاعدة تأسيسية قوامها أن «المجتمع ليس سوى مجرد تجمع أفراد نتيجة روابط العقد الاجتماعي فيما بينهم، أي ناجم عن مجرد اتفاقهم الإرادي».
لا يمكننا الحديث عن تنظيم مجتمع من المجتمعات من دون حماية حقوق «الفرد»، الذي سيكون عليه وفق إرادته الفردية أن يقبل الانضمام إلى الدولة، ويعطي «السلطة» شرعيتها التي تحتاج إليها منه. ويتمثل «القانون» هنا بوصفه تعبيرا عن «الإرادة العامة»، وهي ما تطلق عليها الأدبيات السياسية «إرادة مجموع المواطنين، وهذا قمة التمجيد للإنسان الفرد الذي يمنح عقله ثقة وإيمانا كاملين».
إن أي نموذج اجتماعي يدعي محاولة تأسيس نظام سياسي مستقر ويبدأ سياسيا وقانونيا محاصرة الحريات الفردية وتقييدها هو مجتمع «محاصصي» بين طبقات أو فئات معينة، وليس نموذجا حديثا للدولة. وبالتالي، هو لا يزيد على كونه نظاما سياسيا مبنيا على تحالفات مؤقتة تنتهي بنهاية هذه التحالفات نفسها. الدولة هنا دولة من تحاصصوا مناصبها ومواقعها وسلطاتها وقوانينها، وليست دولة مواطنيها كافة.
لكن، ولماذا هذا التخوف؟ ولماذا هذا الاهتمام بـ «الفرد»؟ التخوف هو من مجمل الإجراءات التي كانت ومازالت وزارة الإعلام - ممثلة في إدارة السياحة - تضطلع بتفعيلها. ففضلا عن أن وزارة الإعلام لا تدرك حجم الاستثمارات المالية الخاصة في هذا القطاع الاقتصادي النشط، والتي هي اليوم مهددة بقراراتها غير المدروسة، يبدو أن الوزارة بدأت تميل ميلا واضحا إلى التوافق مع تركيبة المجلس النيابي «الإسلامية». «بيدها لا بيد عمر» بدأت وزارة الإعلام مهاجمة القطاع الفندقي، وهي بذلك تؤسس وتبرر انتهاكاتٍ أوسعَ للحريات الفردية سواء أكانت على صعيد خيارات «الاستثمار» أم على صعيد المساس بالحريات «الفردية» للمواطنين.
أما عن الاهتمام بالحريات «الفردية»، فيكفينا أن نوضح أن المساس بالحريات «الفردية» مضافا إليه تضييق الخناق على الاستثمارات الاقتصادية في القطاع الفندقي يمثل تراجعا سياسيا اقتصاديا مركبا. وهو ما سيزيد في واقع الأمر من تأزيم العملية السياسية في البحرين برمتها، التي هي متأزمة أصلا بمحاصصة طائفية واضحة. فضلا عن أن رؤوس الأموال التي بدأت الولوج في القطاع السياحي ستبدأ الارتداد إلى استثمارات أخرى في الدول الخليجية المجاورة، حيث تحترم حريتها الاستثمارية كما يُحترم مالها.
طبقة «رجال الأعمال» التي لم تحاول الولوج للمشاركة في العملية السياسية بجدية - والتي خرجت خالية الوفاض من الانتخابات الماضية - هي اليوم مطالبة بفرض أجندتها السياسية بجدية وفق هذه الإشارات السلبية. أقول ذلك: في انتظار أن يكون للقوى الوطنية من الليبراليين حراكٌ جادٌ في الأيام المقبلة للدفع في هذا الاتجاه بقوة.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1590 - الجمعة 12 يناير 2007م الموافق 22 ذي الحجة 1427هـ