إن قضية الغش وغسل الأموال مسألة عالمية بطبيعتها تؤدي إلى مشكلات على المستويات القومية والعالمية، إذ أن غسل العائدات المشبوهة أصبح ظاهرة عالمية شائعة تحتاج إلى المعالجة عن طريق إجراءات وطنية.
إن من أحد أهداف تنظيم التجارة والمصارف هو تقليل عمليات الغش وغسل الأموال، إذ أن الأسواق لا تستطيع العمل بشكل فعال إذا كان هناك خوف مستمر من إمكان استمرار حدوث عمليات الاحتيال. ويحتاج العاملون في مجال الاقتصاد والسوق والمراقبون إلى التأكد من سير عملية التعامل بنية صادقة.
ويمكن أن تؤدي عمليات الاحتيال إلى انهيار المصارف أو المجموعات المصرفية، كما أنها قد تُشكل ضغطا على النظام المالي للدول ككل. ونشرت إحدى الصحف المحلية التي تصدر باللغة الإنجليزية في عددها الصادر يوم السبت بتاريخ 25 يناير/ كانون الثاني الماضي مقالا بعنوان «التحقيق في مزاعم بشأن اختلاس أموال» والتي خسر من جرائها المستثمرون في مملكة البحرين مبالغ كبيرة من الأموال وسط شكوك بحدوث عمليات احتيال.
ولعل أبرز مثال على انهيار مصرفي ناجم عن عمليات الاحتيال هو بنك الاعتماد والتجارة الدولي (BCCI). ويمكن إرجاع سبب الفشل إلى موقف مؤسس ذلك المصرف الذي قام بسرد هذه العبارة «إن القوانين الوحيدة التي تبقى من دون تغيير هي قوانين الطبيعة، أما أي شيء آخر فإنه قابل للتغيير. إننا نستطيع دائما العمل داخل نطاق القوانين وحولها». (أغا حسن عبيدي، مؤسس بنك الاعتماد والتجارة الدولي BCCI).
ما المقصود بغسل الأموال؟
«إن غسل الأموال هو عملية يحاول من خلالها المجرمون إخفاء المصدر الحقيقي وملكية العائدات الناجمة عن أنشطتهم الإجرامية. وإذا ما تمت هذه العملية بنجاح سيتمكن هؤلاء المجرمون من الإبقاء على السيطرة على عائداتهم وتقديم غطاء شرعي في النهاية لمصدر دخلهم».
وتتضمن عمليات الاحتيال الوضع والترتيب في طبقات والتوحيد أو الدمج أو ما يسمى (الغسل، التدوير السريع والتجفيف). وتناسب كلمة الاحتيال بالتأكيد ما ورد في صحيفة «جلف ديلي نيوز» بخصوص التعاملات الاحتيالية بين ثلاثة صناديق.
وتشير المعلومات الخاصة بصندوق التعاملات المتعددة العالمي (GDT) وصندوق تعاملات الفرص العالمية (GOT) بوجود تداعيات كبيرة ترتبط بأنشطة غير قانونية لا تشمل المصارف بالضرورة، بل أنشطة أخرى ستؤدي إلى أعمال احتيالية مثل زيادة القيمة الحقيقية للأرصدة بشكل غير صحيح أو غسل الأموال.
ويحدث الاحتيال عن طريق تقديم القروض إلى مقترضين وهميين أو إلى أشخاص غرباء، على سبيل المثال بواسطة الشيك أو بطاقات الائتمان أو زيادة القيمة الحقيقية للمبلغ المقترض.
وعرّفت مجلة «الإيكونومست» غسل الأموال بأنه إنجاز معاملات مشبوهة الإيرادات من خلال الجهاز المصرفي لإخفاء الأصل الحقيقي لتلك الإيرادات.
الاحتيال وغسل الأموال
إن من أحد أهداف المراقبين التجاريين ومراقبي المصارف هو تقليل وجود عمليات الاحتيال وغسل الأموال. فقد قامت مؤسسة نقد البحرين بالتعاون مع وزارة المالية بإصدار توجيهات للمصارف بخصوص الأنشطة المشبوهة والاحتفاظ بسجل تحديد هوية العملاء وخطة عمل شاملة لدعم القوانين الحالية والسياسات بالنسبة إلى كيفية معالجة غسل الأموال والاحتيال وأنشطة التمويل التي يقوم بها الإرهابيون.
وهناك أيضا وسائل أخرى للاحتيال وغسل الأموال، وعادة ما يبحث المتخصصون في غسل الأموال عن الأقطار التي يمكن أن يقوموا فيها بإعادة تشغيل عائداتهم التي حصلوا عليها بطرق غير شريفة من خلال إنشاء شركات وهمية احتيالية. ويمكن أن تنتقل الأموال من الأقطار التي تتمتع بسياسات اقتصادية جيدة إلى أقطار تفتقر إلى الضوابط الاقتصادية السليمة. لذلك فإن غسل الأموال يهدد الكفاءة والشفافية وسلامة الأنظمة المالية.
وعبّر صندوق النقد الدولي عن القلق بخصوص غسل الأموال. كذلك فإن القانون الأساسي للمراقبة المصرفية الفعالة للجنة بازل ينص في الفقرة 15 على الآتي: «يجب على مراقبي الأعمال المصرفية التأكد من أنه توجد لدى المصارف سياسات وإجراءات مناسبة تُطبق بشكل سليم بما في ذلك قوانين صارمة لتحديد هوية العملاء، ما يعمل على دعم المعايير المهنية والأخلاقية في القطاع المالي ويمنع من استخدام المصرف بطريقة متعمدة أو غير متعمدة من قبل المجرمين».
دور المصارف والتجارة
في معالجة غسل الأموال
إن القوانين المعروفة باسم «اعرف عميلك» (KYC) بالغة الأهمية في معالجة غسل الأموال وعمليات الاحتيال. ويجب على المراقبين في وزارة التجارة والمصارف في المملكة ألا يقيموا أية علاقة تحت أية ظروف مع أي عميل أو شركة أو مؤسسة قبل معرفة الهوية الحقيقية للشخص أو الشركة وطبيعة ذلك الشخص أو الشركة وسلوكهما في مجال العمل. ولهذا السبب تقوم مؤسسة نقد البحرين باتباع الطريقة البريطانية وهي قوانين «اعرف عميلك» والتي تتطلب تحديد هوية العميل والاحتفاظ بالسجلات وإجراءات كتابة التقارير.
لماذا تعتبر قوانين اعرف عميلك (KYC) مهمة حتى بالنسبة إلى التجارة؟
نظرا إلى قبولنا بأهمية مكافحة غسل الأموال والاحتيال والجرائم المالية الأخرى فإن قوانين (KYC) مهمة لعدة أسباب نذكر منها الآتي:
1- تتماشى قوانين KYC مع القوانين التجارية السليمة.
2- تحمي الدولة من السمعة السيئة والمخاطر المالية.
3- يساعد تطبيق القوانين على اكتشاف الأنشطة المشبوهة.
4- تقلل من مخاطر إمكان استخدام تراخيص الشركات في أنشطة غير قانونية مرتبطة بالاحتيال وغسل الأموال وأنشطة التمويل للإرهاب.
5- إن هذه القوانين مطلوبة من قبل السلطات التنظيمية والقانون الوطني.
6- تضمن هذه القوانين الكشف عن الوضع المالي للأشخاص والشركات بموجب القانون.
7- تضمن مهمة الكشف عن الوضع المالي للأشخاص والشركات.
يجب على النظام الإشرافي وضع شروط على الشركات للكشف عن أمور مثل التعرض لخسارة كبيرة. وعلاوة على ذلك فإن من واجب مدققي الحسابات الإبلاغ عن أي شيء إذا ما اعتقدوا أنه لم يتم تطبيق أبسط المتطلبات، وكان لديهم سبب معقول يدعو إلى ذلك الاعتقاد.
مستقبل السيطرة
على غسل الأموال
ليست هناك أدنى ريب في أن مملكة البحرين قطعت شوطا كبيرا في محاولة معالجة مشكلات الاحتيال وغسل الأموال. وعلى أية حال هناك جدل قوي يؤيد توسيع نطاق المراقبة ليشمل مهنا أخرى خارج القطاع المالي والمصرفي.
وقام فريق العمل المالي (FATF) الذي يضم 28 عضوا ومجلس التعاون الخليجي والمفوضية الأوروبية بطرح خطة السنوات الخمس لمكافحة غسل الأموال وتحسين تطبيق الأربعين توصية داخل الدول الأعضاء. ولكي يقوم المراقبون التجاريون بالمساهمة في معالجة قضية غسل الأموال والاحتيال والجرائم المالية تجب عليهم تغطية الآتي:
1- القيام بسلسلة أوسع من الأنشطة بمن في ذلك المحاسبون والمحامون وتجار السلع العالية الجودة.
2- توضيح المسئولية الرئيسية للبلد المضيف بالنسبة إلى معالجة الأنشطة المشبوهة في حال وجود فرع للشركة أو المؤسسة في ذلك البلد.
3- السماح للمحامين بإرسال المعاملات المشبوهة إلى اتحادات المحامين والاتحادات القانونية بدلا من المؤسسات القانونية.
4- السماح بتحديد هوية العملاء وجها لوجه.
5- ضمان التعريف الأفضل للأنشطة الإجرامية.
6- التأكد من تغطية شركات الاستثمار والصرافين.
7- التعرف على هوية الزبائن عند دخولهم المؤسسة.
8- التأكد من قيام جميع المؤسسات بفحص جميع المعاملات عند نقطة الدخول.
9- قيام المؤسسات بعمل إجراءات للإشراف الداخلي وبرامج للتدريب.
ويجب على المراقبين التجاريين والمصرفيين اتخاذ جانب اليقظة ومواجهة التحديات التي تفرضها التغييرات التكنولوجية مثل النقود الإلكترونية في المعاملات التجارية والمصرفية.
إن غسل النقود وعمليات الاحتيال عمليات مكلفة للغاية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. إنها عمليات تُلحق الضرر بالسوق الحرة والعمل الفعال للسوق المالي والتجارة. ولمعالجة هذا الأمر بالطريقة المناسبة لابد علينا أن نفكر في الخطوات التي يجب اتباعها وان نعمل المزيد على مستوى الإدارات أو المستوى القومي لمعالجة هذه المشكلة المتمثلة في عمليات الاحتيال وغسل الأموال
العدد 159 - الثلثاء 11 فبراير 2003م الموافق 09 ذي الحجة 1423هـ