العدد 159 - الثلثاء 11 فبراير 2003م الموافق 09 ذي الحجة 1423هـ

بطاقة «فلنتاين» إلى الرئيس صدام

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

في بعض الاوقات تهزأ المناسبات بنا نحن العرب، ففي الوقت الذي يتزامن فيه عيد الأضحى مع عيد فلنتاين الغربي (عيد الحب) يقدم من أوكل إليهما العالم مهمة المرافعة الأخيرة في تقديم أدلة الادانة (بليكس والبرادعي) آخر شواهد الإدانة إلى النظام العراقي في محراب مجلس الأمن بعد ثلاثة أيام من الآن وفي خضم الاحتفال بعيد الحب! ويبدأ بعدها العد العكسي للإطاحة في بغداد... اللهم لا شماتة.

افتقدت قيادة النظام العراقي القائم منذ أمد طويل قدرتها على البقاء على سطح العمل السياسي، ولكن منذ متى وفي أي زمن؟

قد يختلف المتابعون في تحديد الزمن في هذا الموضوع، أما التوقيت التاريخي الصحيح الذي بدأ فيه العد العكسي لهذه الإطاحة المرتقبة بالنـظام فهي عندما قرر النظام العراقي التخلي عن الشعب العراقي، في البداية تخلى عن الأحزاب المنظمة التي كانت تناضل من اجل عراق ديمقراطي حر، ثم تخلى عن أحزاب تحالفت معه من خارج حزب البعث، ثم تخلى عن رفاق في الحزب نفسه، وبدا سعيدا وهو يقوم بالانفراد بالسلطة، ثم تخلى عن فكرة الحزب ليرفع راية العائلة ليرفع راية النفس، وكل هذه التصفيات هي من اجل تجنب الرأي الآخر وعزل المواطنين عن المشاركة في القرار الوطني، انها حال كلاسيكية للوصول إلى حال الاستبداد، الذي هو رفض الرأي الآخر مهما كانت قيمته، ومن أية جهة قدم، وبقي من حول الرئيس في نهاية الأمر أناس يؤمرون فيطيعون، وفي قلوبهم حسرة وعلى لسانهم نفاق، وفي ضميرهم توق إلى التخلص من هذا الظرف غير الإنساني، لا يعرفون كلمة (لا) في حياتهم العملية.

منذ ذلك الوقت البعيد كان الأمر قد حسم في عدم بقاء مثل هذا النظام لفترة طويلة، وبقى تحديد التوقيت لتاريخ الجنازة، الذي بدأ ينفد وقته بين أيدي الرئيس صدام حسين شيئا فشيئا حتى وصلنا إلى اليوم الذي لا يوجد بعده يوم آخر، الدرس الذي لم يستوعيه صدام حسين ومن معه هو أن عافية المدن ومنعتها تكمن في حرية تفكير مواطنيها، وتفتقد هذه العافية قليلا قليلا حتى تذبل عندما تفتقد تلك الحرية، وقد يأخذ ذلك وقتا من الزمن ولكنه يأتي من دون ريب.

صدام حسين اليوم، والأعمار بيد الله، ميت يمشي على قدمين، ذلك هو المقال المناسب للمقام المناسب، وكما قيل في السابق إن القيادة الهرمة للاتحاد السوفياتي هي جثث تنتظر الموت، يمكن بسهولة ويسر أن يقال ذلك عن الرئيس العراقي اليوم ميت يمشي على قدمين، فلا مفر من تلك النتيجة، لقد اتخذ إلهه هواه منذ فترة، والموت هو نتيجة محتملة لمن يقوم بذلك الفعل، كان هذا صحيحا في الحاضر، ولابد أن يكون صحيحا في المستقبل أيضا.

من حولنا ضجة عربية واجتماعيات ثنائية أو أكثر، ومناداة بعقد قمة عربية عاجلة، والأفضل ألا تعقد هذه القمة، لأن نتائجها ستكون أكثر سلبية من عدم عقدها، فهناك من يريد أن يستخدم هذه القمة لتمرير شعارات أصبح المواطن العربي يشمئز منها، فهي تقول ما لا تؤمن به، فوق أنها تقول ما لا تستطيع أن تعمل، فلن يقول أحد على الورق في هذه القمة أو في الميكروفونات إن الدفاع عن النظام العراقي في هذا الوقت قضية خاسرة، ولن يقول أحد في هذه القمة إن هذا ما جناه صدام حسين على نفسه وبلده التي زادت فقرا وقهرا وتخلفا بفضل انفراده بالسلطة والسلطان، إذ وضع نفسه بديلا عن كل العراقيين في التفكير والتدبير، ولن يقول أحد في هذه القمة إن ما بعد صدام حسين قد يكون أفضل مما هو الآن، فموت الأخ السريع قد يقلل من الآلام المتوقعة، لن يقال ذلك، ستخرج القمة ببيان جديد قديم، لا يتعدى الورق الذي كتب عليه، وربما توفد القمة وفدا على مستوى متوسط، يطلب من صدام حسين التعاون أكثر، هل نذكر كيف طلب العرب مرة سابقة من الرئيس السادات أن يمزق ما اتفق عليه مع «إسرائيل» في سبيل دعم مادي هو في خانة الوعود، لقد فشل ذلك الوفد، ومع اختلاف الظروف و الأهداف، سيفشل أي وفد تفكر فيه القمة المقبلة أن انعقدت، فلم يعد للنظـام العراقي بعد أوراق يلعب بها، لقد قدم من التنازلات ما لم يقدمه نظـام آخر في التاريخ الحديث ولم يبق لديه شيء يقدمه إلا أن يستغني عن أسلحة الدمار وهو لن يفعل.

في تاريخ العراق الحديث، وبسبب سحب القدرة من الفضاء السياسي العراقي على ممارسة الحرية الحقيقية لأفراد الشعب، يهتف الناس في الشارع للنظام القائم ، وهو هتاف المقهور والمغلوب على أمره، وليس هتاف الحر الذي يتخذ القرار بنفسه، لقد رأى بعضنا على سبيل المثال لا الحصر، كيف كانت المدن العراقية تخرج عن بكرة أبيها للهتاف للمرحوم عبدالسلام عارف قبل أيام قليلة من احتراقه في طائرة مروحية مشهورة، وبعد ان سقط جثة هامدة، خرج نفس من هتف بالأمس وفي الأماكن نفسها ليتذكر مساوئ المرحوم على أوسع نطاق، الجماهير نفسها مع اختلاف الشعارات هي التي تهتف مرتين مع وضد، وسيتكرر هذا في شوارع المدن العراقية قريبا.

لعل الصوت العربي الذي يقرب من ملامسة الموضوع بكثير من العقلانية في هذا الاحتدام العربي، هو صوت أمين عام حزب الله في لبنان السيد حسن نصر الله عندما دعى الأسبوع الماضي في خطاب له إلى عقد (طائف عراقية) وان (يتواضع النظام) ويعترف بـ (المعارضة). بمناسبة التواضع ذاك مطلوب من أكثر من عاصمة عربية الى اليوم، ولكنه غير مأمول من النظام العراقي، فهو تواضع فات زمنه.

من لا يريد أن يعرف فهو حر في ان يفعل ذلك، ومن يريد ان يعرف شيئا من المقبل عليه أن يقرأ بإمعان تصريح وزير خارجية الولايات المتحدة كولن باول، لقد قال إن حرب تحرير العراق هو الطريق (لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط) وهو قول يعني ان القائمين هنا في هذه المنطقة فشلوا، حتى الآن على الأقل، في تدبير حكم صالح وتقديم رشادة سياسية تبعدهم عن المخاطر وتنجي أوطانهم من التمزق، وهي ان أردنا أن نقرأ النتائج بوضوح، عدم الاستخفاف بالآخر في بلدانهم، فهذا الاستخفاف يقود إلى التجاهل وبدره يقود إلى رد فعل باستخفاف مضاد.

عدم الرشادة السياسية هذه تجعل من هذه المنطقة عرضة لتدخل الآخرين (لاعادة تشكيلها) وهي إعادة تشكيل تلزم المتدخل بقضايا كثيرة، سياسية واجتماعية وثقافية وتعليمية وربما غيرها من العناصر. ومن يقرأ من جديد كتاب بوب وودود الأخير (حرب بوش) يعرف على وجه اليقين، لا الافتراض، ان التغيير المطلوب قد نوقش في وزارة الحرب الأميركية واتخذت بحقه القرارات المناسبة.

نقل عن الرئيس بوش في ذلك الكتاب قوله (أدعو كل مسئول عربي أن يضع بجانب وسادته نسخة من هذا الكتاب للقراءة) قال إن حربنا ليست ضد مجموعة من الناس، وليست ضد منظمة، ولا ضد دولة، إنها حرب ضد (حالة عقلية). هذه الحالة العقلية التي يجب ان يتعرف عليها القادة العرب، فيقيموا بتصحيحها، فلا يضعوا شعوبهم بين نارين: الهيمنة الخارجية والاستبداد المحلي

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 159 - الثلثاء 11 فبراير 2003م الموافق 09 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً