لا يمكن القفز على استنتاجات مرحلة سابقة وقراءتها بظروف المرحلة الحالية. فالسلوك السياسي لصدام حسين حينما كان في الحكم يبقى أسير تلك المرحلة، ويتم تحليل السلوك السياسي بناء على معطيات تلك المرحلة وظروفها، ومن الخطأ تحليل سلوكيات النظم السياسية في فترة من الفترات من دون الأخذ بظروفها الموضوعية والأجواء السياسية المحيطة بها، وتفاعلات القوى الإقليمية والنزعات الأيديولوجية. إذا؛ لكل مرحلة أسبابها ونتائجها.
لا يمكن تبرئة عهد صدام حسين بإقامة المآتم على روحه، أو هكذا بجرة قلم، وكأن الدماء التي سالت، وكأن الأسر التي شُردت، وكأن... وكأن... وكأن كل ذلك هو خطأ بسيط لا يتعدى اعتداء طفل على طفل آخر؛ لذلك كان المطلوب إقامة محاكمة عادلة مكتملة شرائط صحة انعقادها.
لم يمارس صدام أية سياسة طائفية تجاه الشيعة، بل ساس الأمر على أساس الولاء لحزب البعث وله شخصيا. لم يقتل صدام أحدا على الهوية، في حين أن قتلة صدّام قتلوه على هويته المذهبية! ولعل الأمر تكمن خطورته المستقبلية في فعل الاستئصال الطائفي الذي تمارسه (بقايا فيلق بدر، فرق الموت، وميليشيات تابعة للتيار الصدري، وجماعات تكفير وقتل الشيعة على الهوية والذهاب إلى النعيم المقيم في الجنة التابعة لجماعات «الزفتاوي» وغيره!).
هنا نقف قليلا مع من تشدقوا بأنهم أقاموا العدل حينما أعدموا صدّام، ما هو الفرق بينكم وبين ما تعيبون به على صدام؟ نعم قتلوا صدّام؛ ولكن كم صدام يحكم العراق الآن؟ وقديما قيل: رحم الله الحجاج عن أبيه!
الجريمة الإنسانية والأخلاقية التي تمت أثناء تنفيذ القرار الأميركي/ الطائفي بإعدام صدام كان ينبغي إدانتها بشكل واضح وصريح وبلا تورية. وإن كان مقبولا بمبررات السياسة التملقية للأميركان أن يصمت بعض الفرقاء في الحكم، فإن المرجعية الدينية يجب أن تقول كلمتها، ونتساءل: أين المرجعية الدينية من إدانة مثل تلك التصرفات الطائفية وغير الإنسانية؟!
من غير المفهوم الكتابة والحديث عن جرائم تمت في عهد صدام حسين في حين يغض الطرف عن الجرائم التي تمارسها عصابات القتل وفرق الموت، مع أن الأرقام تؤكد أن من قتلوا في عهد الاحتلال الأميركي ونظام العملاء فاق بكثير عدد القتلى في عهد صدام؛ ولكنه الحول الطائفي الذي أصاب البعض!
القتل على الهوية هو أزمة العراق الحاضرة، وما هو مطلوب منا رفض مثل هذه التصفيات الطائفية. وقد حدثتني الأخت العزيزة «وجيهة» عن قصة صديقتها العراقية «الشيعية» المذهب، إذ الأخيرة متزوجةٌ من رجل ينتمي إلى الطائفة السنية، وعلى ذلك فإنها تتحدث عن هذا الاستئصال الطائفي الجاري اليوم في العراق بحرقة. فالأخت العراقية لديها من زوجها السني ولد اسمه عمر، وهي تخشى أن تغتاله العصابات الطائفية وستحضره إلى البحرين. والأخت العراقية هي ثكلى على أخيها عبدالحسين الذي قُتل على الهوية... ومع ذلك يصر البعض ممن أصابهم الحول الطائفي على أن بغداد ستكون طوكيو!
«عطني إذنك»...
لقد أخجلت القوى السياسية الشيعية في العراق حزب الله المقاوم (الشيعي) في لبنان، إذ جاءت عصابات الموت العراقية لتقوض البناء النظري والالتقاء الفطري بين أبناء العروبة والإسلام اللذين بناهما السيدحسن نصرالله. ندعو الله أن يتوقف نزيف الدم العراقي ويعود العراق لتصدير العلماء والنوابغ من كل فن بدلا من الفتن!
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1585 - الأحد 07 يناير 2007م الموافق 17 ذي الحجة 1427هـ