عاشوراء مختلف هذا العام عن كل الأعوام السابقة، مختلف في ظروفه وأوضاعه ومحيطه ومستمعيه، لن يكون عاشوراء للمخلصين من الخطباء كسابقه في الأعوام الماضية، ولن يمر على من يتحسسون المسئولية ويعون الظروف باعتباره إلهابا للمشاعر وتحريكا للحماس وإدرارا للدموع وكفى.
عاشوراء هذا العام هو محك يتضح منه نضج الخطيب قبل قوة حنجرته، وفكرته المصلحة قبل تشنجه وتشنيجه للوضع، وإحساسه بما حوله قبل دسه لرأسه في التراب ليُفترس ويُعرّض غيره للضياع والافتراس.
عاشوراء هذا العام يختلف عن غيره في الأعوام السابقة باختلاف الظروف، وتطورات الأوضاع في كل الساحات الإسلامية، فالفتنة الطائفية في العراق كما لبنان لها امتداداتها وآثارها في كل أصقاع الأرض وعلى مختلف الشعوب، فالزلة من السني في تلك المناطق لها عدادات في مناطق أخرى تحصيها وتعيد إنتاجها في شكل حقد دفين، ولها من يحسبها على مذهب التسنن وهو منها براء، والعثرة من الشيعي لها من وسائل الإعلام من يتلقفها ويحولها عدائية صفوية مرتبطة بالتشيع كمذهب وعقيدة والتشيع منها بريء.
هذا هو الحال الذي نحن فيه أيها الخطباء، فليس المتهم اليوم هو الشخص المخطئ، بل المذنب والمتهم هو العقيدة والمذهب الذي ينتمي إليه ذلك المخطئ.
عاشوراء مختلف هذا العام لأن الأميركي فقد كل أسلحته في معاركه التي خاضها في أفغانستان، فعمليات المجاهدين ما زالت تُلحق به الهزائم، وفشل فشلا ذريعا في العراق، وهو يتحين اللحظة التي يسحب فيها جنده مع الحفاظ على ماء وجهه النتن، وسقطت هيبته وهيبة «إسرائيل» وراءه في الجنوب اللبناني على أيدي مجموعة أقل منه عدة وعتادا، وأمام ذلك ليس أمامه إلاّ أن يمعن في تمزيق هذا الجسد الإسلامي الكبير الممتد من أفغانستان إلى العراق ولبنان، مرورا بحالة اقتتال يحاول زرعها بين المسلمين في شتى بقاع العالم.
فكيف ستكونون أنتم أيها الخطباء الكرام في زمن الفتنة والتناحر والهتك لحرمات المسلم باستباحة دمه ومقدساته من مساجد وحسينيات وأماكن عبادة لأكرم طائفتين إسلاميتين (السنة والشيعة)؟
الملايين من المسلمين الشيعة سيكونون تلاميذ لمنابركم الحسينية التي تحمل فكر أهل البيت عليهم السلام، والكثير منهم سيأخذ ما تقولونه كمسلمات لا يمكن الجدال والنقاش فيها، لأنكم ثقتهم ومحل اطمئنانهم، وتلك حالة حميدة وطيبة أسأل الله أن يبارك فيها ويعطينا منها كل خير.
إنني لا أخفيكم أيها الخطباء خوفي ووجلي وقلقي من الأوضاع، فنحن على برميل بارود يعمل عدونا على محاولة تفجيره بأسرع وقت كي يشغلنا ببعضنا ويرى دماءنا تسيل فيأمن على حاله ويطمئن لنجاح مخططه، حين يوجه أحدنا (الشيعي أو السني) الآخر إلى القبلة ويحتز رأسه بعد أن يسمي عليه ويكبر.
ارحمونا أيها الخطباء من الشحن الطائفي البغيض، ولنتمسك بالحكمة التي عهدناها من أهل بيت النبوة (ع)، تتلمذوا على مواقف الأئمة في مختلف الظروف والأوضاع وعلمونا كيف كانوا يحافظون على الدماء والأعراض والأنفس؟ وكيف كانوا يجنبون أتباعهم المخاطر في أحلك الظروف وأصعبها مرارة عليهم؟
ارحمونا أيها الخطباء فهذه اللحظات الحرجة من مسيرة أمتنا ليست بحاجة إلى رفع شعار حماية العقيدة، بل نحن في أمس الحاجة لشعار حماية الدماء والأنفس والأعراض لبعضنا البعض. نحن أيها الخطباء لا نريد (واللهِ لا نريد) العقيدة حين تمرض قلوبنا على بعضنا، لأنها ليست دين ربنا ولا رسالة نبينا ولا عقيدة أهل بيته الأطهار.
ارحمونا فكلماتكم (كما هي كلمات علماء السنة على منابرهم) يترجمها الناس إلى مواقف مع بعضهم، وإن كانت أمثلتها من التاريخ، إنكم تتحدثون بما عندكم على المنابر وتتركون الناس بعدها ليختلطوا بالآخر في أعمالهم ومحلات رزقهم واسترزاقهم وكل واحد منهم لا سمح الله معبأ بما يكفي ليكون يدا وعونا للشيطان على أخيه.
اسمحوا لي أيها الخطباء أنكم بعيدون عن الخطر الذي تتسبب به كلماتكم (إذا كانت طائفية ومتشنجة) بل أنتم في مأمن شبه تام من أخطار الاحتكاك، لكن أرجوكم فكروا في رواد مجالسكم ومنابركم الذين سيتوجهون إلى أعمالهم بعد حين ويكونون على احتكاك مباشر مع الآخرين.
ارحمونا فليست الشجاعة في إبراز التحدي والقوة والاستعراض بين المسلمين على بعضهم، بل القوة اليوم هي في السيطرة على الغضب والحكمة في اتخاذ الموقف، والفهم الواعي للمعادلة الدولية التي يعلم الجميع إلى أين تريد توجيهنا(كمسلمين). الشجاعة هي في تهدئة الخواطر وزرع الأمل ومن قبل وبعد كل ذلك الحب لبعضنا والتجاوز عن زلاتنا لنفوت بذلك الفرصة والفرحة على عدونا.
ارحمونا أيها الخطباء، وامروا بالمعروف وانهوا عن المنكر وقولوا كلمة الحق التي تعصم دماء المسلمين، ولا تكترثوا برغبة بعض البسطاء والمتشنجين والمرضى وإن تفاخروا بما تقولون من كلمات متشنجة (لا سمح الله) فهؤلاء لم ولن يخدموا الإسلام ولم ولن ينتفع به الشيعة والتشيّع، ولا السنة والتسنن.
إن ما يخدم التشيع أيها الخطباء (وانتم أعلم به مني) هو ما رواه عبد السلام بن صالح الهروي انه سمع الإمام الرضا (ع) يقول: «رحم الله عبدا أحيا أمرنا، فقلت وكيف يحي أمركم، قال يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا».
اعذروني أيها الخطباء... ولنستبدل كل التشنجات والتوترات بمحاسن كلامهم فكل كلامهم حلل ومحاسن.
إقرأ أيضا لـ "كاظم عبدالله"العدد 1585 - الأحد 07 يناير 2007م الموافق 17 ذي الحجة 1427هـ