في ظل عدم وجود تشريع حكومي يعنى بإصدار قانون لتشريع «كوتا» نسائية يهدف إلى تخصيص جزء محدد من المقاعد للمرأة في المجلس البلدي والنيابي، سواء بتقصير من الجمعيات السياسية بسبب انشغالها بالملفات السياسية الساخنة والأكثر أهمية، أو بسبب تقصير من الحكومة خوفا من فتح ملف التعديلات الدستورية الشبح الذي بات يطاردها ليل نهار. فهي ما تلبث أن تهدأ من المؤتمرات السنوية التي تعقدها المعارضة والتي تتحدث عن التعديلات الدستورية والمسيرات التي تجوب شوارع البحرين العامة، يأتي أيضا القطاع النسائي مطالبا بإحداث تعديلات دستورية لصالحها، لذلك نجدها رافضة فتح أذنيها لأي شيء من شأنه أن يفتح لها باب التعديلات الدستورية.
على رغم أن عدم إقرار الكوتا يربك أجندة الحكومة، فواضحٌ جدا تطلعات الحكومة المتمثلة في تمثيل المرأة في عدة مواقع قيادية، لبروز البحرين بالمظهر الحضاري المشرق والمشرف، وحتّى تبدو متقدمة على أقرانها في هذا المجال، نجدها سباقة في تحقيق إنجازات عدة للمرأة.
ولكنها مع ذلك نجدها تتلكأ في مسيرتها، بمعنى أنها لا تريد أن تلحق بأخواتها الدول العربية التي سبقتها وأقرت مبدأ الكوتا في سبيل التسهيل على المرأة الوصول إلى مواقع صنع القرار السياسي بدلا من الانتظار، فلا أظن أن واقع البحرين مغاير لواقع المجتمعات العربية الأخرى، بل أجده أكثر تعقيدا وصعوبة، وبالتالي أتصور بأنه لابد من يوم الرضوخ للكوتا، فبدلا من الانتظار طويلا في طابور الانتظار وننتظر الفرج الذي لن يفرج عنه إلاّ بتدخل قوي وبإرادة سياسية حقيقية، لا بشعارات كل طاقتها الترويج للأحلام الوردية المراد تحقيقها، بحيث نترك العنان لجميع النساء أن تحلم ما بدا لها من حلم بغض النظر عن إمكان تحقيقه. وفي النهاية تتدخل الجهات الرسمية لتتحكم في عملية تحقيق الأحلام وبالتالي تسمح للبعض أن يكون كما يريد ويسدل الستار على البقية الباقية من دون قيد أو شرط، ضاربين بعرض الحائط الرغبات والأحلام والطموح، بغضّ النظر عن مدى توافر القدرة من عدمه.
مشهد الانتخابات السابق صورة لا يمكن نسيانها أو حتى تجاهلها، فقد تم تطبيق ما يسمى بالكوتا التكتيكية لصالح البعض على سبيل التجريب وجس نبض الشارع البحريني، في إحدى الدوائر بإحدى المحافظات، وذلك رغبة في إيصال المرأة إلى المجلس المنتخب من دون أي عناء، وكان ذلك عن طريق التعيين، (آخر صرعة من صرعات الموضة).
المنهج الذي تتبناه الحكومة في الوقت الراهن قائم على «الكوتا التكتيكية»، وفي الوقت الحالي تم استخدامه في المجلس النيابي، ولم تفعل بالنسبة للمجلس البلدي، ولا ندري لماذا. فهناك ما يقارب 37 امرأة على الأقل أبدين رغبة في الترشح للعمل البلدي في الدورة السابقة والدورة الحالية، وهناك ربما ضعف الرقم إذا وجدن الدعم، فهل ذلك يعني عدم رغبة الحكومة في إيصال امرأة إلى المجالس البلدية؟ لا أعرف الحيثيات التي بنت عليها خطتها، كما لا أعرف هل هي محقة في ذلك بحيث تقرر تعطى لمن؟ وكيف؟ ومتى؟ في حين ان الكوتا التي نطمح لها ونرغب أن تكون مطبقة معلن عنها، وتتنافس عليها المرأة أيضا مع أختها المرأة وربما مع أخيها الرجل، لا أن تأخذ مقعدها في المجلس بلا حملة انتخابية أو برنامج انتخابي يذكر، ومع ذلك لا تلقى قبولا أو دعما من قبل الجهات الرسمية.
يبدو أن الحكومة تتخوف من الكوتا كثيرا، ليس لكونها تفتح عليها باب التعديلات الدستورية فقط ولا أقلل حينها من هم الهاجس ولكن هي أيضا تفتح على نفسها بابا لا يمكن درأه لكون الكوتا إذا ما شرعت ستكون نوعية النساء الواصلات إلى المجلس مختلف تماما عن نوعية النساء اللاتي سيستفدن حتما من الكوتا التكتيكية.
لا نرغب في الكوتا التكتيكية لأسباب كثيرة، فالكوتا التشريعية على رغم شرعيتها لا تحظى بقبول الغالبية، بل أن هناك الكثير من الملاحظات والمؤاخذات عليها لأنها -شئنا أم أبينا- تحمل رائحة التمييز وأن كان إيجابيا، فكيف لنا أن نرضى بالتكتيكية، التي تحمل في طياتها عنصر الصدمة والمفاجأة؟ فهي تحمل رائحة التفضيل وليس التمييز الذي كرهنا في النوع الأول، كما لا يمكن لنا أن نعترف بها طالما أن من يمارسها لا يعترف بها، ويصرّ على أن الظروف كانت سببا فيها وليس بفعل فاعل، أو وفق تخطيط مسبق، بغض النظر عن من المنتفع بها وبغض النظر عن مدى كفاءته من عدمه.
ولكن عندما تخوض المرأة المعركة الانتخابية من ألفها إلى يائها، وتجد وتجتهد وتبذل ما بوسعها تخرج من المعركة بخفي حنين، صعب امتصاص الصدمة، فهل هذا يعني أن يمهد لقبولنا بالكوتا التكتيكية؟ فقط بغرض وصول المرأة كمحور نعمل على تنفيذه؟ فهل الموقف يتحتم علينا أن نقول أهلا للكوتا التكتيكية؟ أم نقول لا أهلا ولا سهلا؟
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1585 - الأحد 07 يناير 2007م الموافق 17 ذي الحجة 1427هـ