العدد 1579 - الإثنين 01 يناير 2007م الموافق 11 ذي الحجة 1427هـ

إعدام صدام... بصفته خازوقا

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل عدة عقود، عقد مؤتمرٌ طبيٌ في لندن، شارك فيه الطبيب العراقي قتيبة آل شيخ نوري، وفي المؤتمر سأله بعض الحضور عمّا أضافه العراقيون من جديد إلى تراث أجدادهم العظماء في مجال الطب، فأجاب متهكّما: «لقد اخترعوا جهازا يدخل من أسفل البدن، عبر الأمعاء والمعدة، ويصعد إلى الحنجرة، حيث يتم استئصال اللوزتين بالكهرباء!»، فقال له طبيب أجنبي مستغربا: «ولماذا هذه الدورة الطويلة مادام يمكنهم إزالتها مباشرة عن طريق الفم؟».

الطبيب العراقي كان يشير متهكّما إلى «الخازوق»، أداة الدكتاتورية والعسكر في الحكم، وهو اختراعٌ ربما لم يخطر بقلوب المستمعين! فهو في الأصل عصا طويلة تخترق جسد الضحية من الأسفل لتخرج من ناحية الفم، ثم يتم تثبيت «الخازوق» في الأرض ويترك الضحية معلّقا يتألم حتى يموت. وللحقيقة، فإن «الخازوق» ليس اختراعا عراقيا بل هو اختراعٌ أممي، وأقدم إشارةٍ إليه نجدها عند المؤرخ الإغريقي هيرودوت، إذ ذكر «إن الملك داريوس الأول بعدما استولى على مدينة بابل، أعدم نحو 3000 بابلي بـ (الخازوق)». وفي مصر القديمة كان يُعاقب السارق بالحبس أو بالإعدام بـ (الخازوق). بل نجده مستخدما أيضا في الغرب، ففي السويد (بالقرن السابع عشر)، لكن كان يتم إدخاله بين العمود الفقري والجلد، وبهذه الطريقة كان الضحية يظل يعاني لأربعة أو خمسة أيام قبل أن يموت، وكان من أشهر مستخدمي «الخوازيق» دراكولا وإيفان الرهيب.

وينقل ميشيل حنا، أنه بعد دخول العثمانيين مصر، استخدموا «الخازوق» على نطاق واسع، بعد أن نقلوه من العراق وطوّروه، وكان العسكر العثماني يدفع المكافآت للجلاد الماهر الذي يطيل عمر الضحية على «الخازوق» لأطول فترة ممكنة، أما إذا مات «المُخَوزَق» أثناء التعذيب بسرعة، فيُعاقَب الجلاد «المهمل» بوضعه على «الخازوق»! أما أشهر «خوزقة» في تاريخنا الحديث - بحسب ميشيل حنا - فهي حالة سليمان الحلبي، الذي قتل القائد الاستعماري الفرنسي كليبر، إذ قضت المحكمة بحرق يده اليمنى ثم يُعدَم فوق «الخازوق»، وبالمثل يعدم شركاؤه بـ «الخازوق». أما في العصر الحديث، فإن كثيرا من السجناء العراقيين الذين أنجاهم الله من معتقلات صدّام، رووا قصصا لعمليات إعدام بـ «الخازوق» كانت تتم في معتقلات «الرئيس الشهيد صدام» الذي يترحّم عليه بعض المغفلين والمغفلات، ويقيمون له مجالس العزاء!

هذا عن الماضي والحاضر، أما عن المستقبل، فإن التاريخ سيسجّل أعظم عملية «خوزقةٍ» أبطالها الأميركيون في العراق. فقرار إعدام الطاغية صدام حسين في هذا التوقيت البشع، قرارٌ أميركيٌ بحت، يقصد به الأميركيون وضع العراق على أضخم «خازوقٍ» في التاريخ.

ليس هناك من يبرئ صدّام من جرائمه التي تستحق ألف ألف عملية شنق، عقابا لما سفك من دماء بريئة، وتدمير بلد نفطي أعاده إلى العصور الوسطى سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا. ليس هناك من يبرئ صدّام - طاغية طغاة الأرض - إلاّ الذين طبع الله على قلوبهم فهم لا يعقلون. ولكن ما حدث ليس قرارا عراقيا، وإنما قرار فتنةٍ أميركي؛ نظرا لهذا التوقيت البشع؛ خصوصا مع وضعه في سياق ما تروج له أميركا من مشروعات فتنةٍ في لبنان وفلسطين، فضلا عن الصومال، حيث يقتتل الإخوة وأبناء الشعب الواحد.

«الخازوق» الذي أنتجته أميركا للعراق يختلف عن «الخوازيق» الأخرى بأن له شعبتين، شعبةٌ ستخترق أحشاء شيعة العراق، وشعبةٌ ستخترق أحشاء سنّة العراق، وسيدفع الوطن العراقي ثمن أبأس أضحيةٍ قُدّمت يوم الأضحى المبارك العام 2006. مجرمٌ يستحق ألف ألف حكم إعدام؛ لما أزهق من أرواح العراقيين والإيرانيين والكويتيين، لكن الولايات المتحدة باختيارها تنفيذ حكمٍ عادلٍ في يوم عيدٍ، أن تنفّذ مشروع فتنة؛ ليبقى العراق معلقا ينزف فوق «الخازوق» حتى تطول به الآلام والعذابات.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1579 - الإثنين 01 يناير 2007م الموافق 11 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً