العدد 1578 - الأحد 31 ديسمبر 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1427هـ

اقتصاد المعرفة ( 2/5)

وينبغي التمييز بين مفهوم «المعرفة» ومفهوم «المعلومات». فالمعرفة، كما يراها من يتبنون الدعوات لبناء مجتمع المعرفة، هي قدرةٌ إدراكيةٌ ما يميّزها بشكل واضح عن المعلومات. وعندما نتحدّث عن اقتصاد المعرفة، يجب التمييز بين ما يتعلّق بهذه المادة بصورة خاصة وما يتعلّق باقتصاد المعلومات بشكل عام، أي دراسة القرارات الاقتصادية وطبيعتها وفقا للمحتوى المعلوماتي المحدّد معلومات غير مكتملة احتمالية، شك غير احتمالي، عدم تناسق المعلومات، معلومات ناقصة.

ولتأكيد قدم المعرفة وإدراك أهميتها في السلوك البشري يمكن العودة إلى التقسيم العشري للمعرفة الذي قدمه ميلفيل ديوي في العام 1873. وقد استُخدم هذا التقسيم في تنظيم المكتبات، ولاتزال معظم مكتبات العالم تعتمد هذا التقسيم. ويجري دوريا، كل أربع سنوات، وضع إضافات فرعية لهذا التقسيم تبعا لتطور المعارف، دون الإخلال بالأقسام الرئيسة العشرة التي اقترحها ديوي.

وتشمل أقسام المعرفة العشرة: المعارف العامة التي باتت تشمل علوم الحاسوب؛ والفلسفة وعلم النفس؛ والعلوم الدينية؛ والعلوم الاجتماعية بما في ذلك العلوم الاقتصادية؛ واللغات الإنسانية؛ والعلوم الطبيعية والرياضيات؛ والعلوم التطبيقية، بما في ذلك العلوم الهندسية المختلفة والإلكترونيات؛ والفنون بشتى أشكالها؛ والآداب والبلاغة؛ والجغرافيا والتاريخ. وطبعا لا يتصف أي قسم من هذه الأقسام بالاستقلالية الكاملة، بل هناك تداخلات بين هذه الأقسام، لأن الفكر الإنساني لا يعترف بالحدود، بل يمد نظره في جميع الاتجاهات. لكن هذا التقسيم يسمح بتنظيم المعارف ويصنفها تبعا لاقترابها من أقسامه الرئيسة العشرة وتفرعاتها الكثيرة.

الجديد في الأمر أنه ولأول مرة منذ أن أطلق فرنسيس بيكون، قبل ما يقارب أربعة قرون، مقولته الشهيرة التي تقول ان «المعرفة قوة» يتوقع علماء المستقبليات، ويؤمن البعض منهم، أن تكون المعرفة وتطبيقاتها إحدى أهم مظاهر القوة في عالم الغد. ولعل التطور الأبرز في هذا المشهد ظهور المقدمات اللازمة لولادة «اقتصاد المعرفة»، وهو ميدان اقتصادي جديد يقوم على فهم أكثر عمقا لدور المعرفة في إعداد الرأسمال البشري المتعلم والمدرس وحسن الاستفادة منه في عملية التنمية البشرية المستدامة، إذ الإنسان بطاقاته ومواهبه منطلق التنمية وأداتها، مثلما هو هدفها النهائي وغايتها. وما لم نُعد النظر في استراتيجياتنا التنموية بحيث نجعل من الاستثمار في مناجم العقول أولوية ثابتة، لأنه الاستثمار الأمثل على المدى المتوسط والبعيد، فإننا نفوِّت دون مبرر، إحدى الفرص الهامة للانخراط في ميادين السبق التي ستفرز بالنتيجة الأمم والشعوب التي ستساهم في صوغ ملامح الغد عن تلك التي ستكتفي بأخذ موقع المنفعل السلبي والمتفرج على ما يحدث. وهكذا يتبين أنّ المعادلة الاقتصادية الجديدة «لا تعتمد أساسا على وفرة الموارد الطبيعية ولا على وفرة الموارد المالية، بل على المعرفة والكفاءات والمهارات، أي على العلم والابتكار والتجديد».

إن مفهوم المعرفة ليس بالأمر الجديد بالطبع، فالمعرفة رافقت الإنسان منذ أن تفتّحَ وعيه، وارتقت معه من مستوياتها البدائية، مرافقة لاتساع مداركه وتعمقها، حتى وصلت إلى ذراها الحالية. غير أن الجديد اليوم هو حجم تأثيرها على الحياة الاقتصادية والاجتماعية وعلى نمط حياة الإنسان عموما، وذلك بفضل الثورة العلمية التكنولوجية. فقد شهد الربع الأخير من القرن العشرين أعظم تغيير في حياة البشرية، هو التحول الثالث بعد ظهور الزراعة والصناعة، وتمثّل بثورة العلوم والتقانة فائقة التطور في المجالات الإلكترونية والنووية والفيزيائية والبيولوجية والفضائية.

وكان لثورة المعلومات والاتصالات دور الزيادة في هذا التحول. فهي مكّنت الإنسان من فرض سيطرته على الطبيعة إلى حد أصبح عامل التطور المعرفي أكثر تأثيرا في الحياة من بين العوامل الأخرى، المادية والطبيعية. لقد باتت المعلومات موردا أساسيا من الموارد الاقتصادية له خصوصيته، بل إنها المورد الاستراتيجي الجديد في الحياة الاقتصادية، المكمل للموارد الطبيعية. كما تشكل تكنولوجيا المعلومات في عصرنا الراهن العنصر الأساس في النمو الاقتصادي.

العدد 1578 - الأحد 31 ديسمبر 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً