العدد 1577 - السبت 30 ديسمبر 2006م الموافق 09 ذي الحجة 1427هـ

رسالةٌ من استاذٍ كريم

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

تلقيت اتصالاً هاتفياً من «الوسط» يوم الأربعاء الماضي، يخبرني فيه عن تسلم الصحيفة لرسالة مجهولة الهوية موجهة إلي شخصياً، فطلبت إرسالها لي على البريد الإلكتروني لأطلع عليها وإعطائها أشد الاهتمام لكونها أتت من قارئ عزيز، بغض النظر عن موقفه من آرائي وأفكاري وقبلها مبادئي التي أؤمن والتي لا أظن أياً كانت بوادر الاختلاف بشأنها. فمهما كانت ردود الفعل تجاه ما أكتب، سواء كانت إشادات أم عتابات أخوية، أو شتما وتجريحا، أو تخويفا وتهديدا، فإنني أعطيها جميعاً كل احترامي وتقديري ومحبتي لكونها أتت من أفراد تجشموا عناء التضحية بجزء من وقتهم الثمين في قراءة ما أكتب، أكان بنية الاطلاع والتعرف، أم بنية القص واللصق، أو حتى بنية الترصد والتنصت خدمة لأمن الدولة وتأدية لـ «واجب وطني»، كما هم ضحوا بجزء من وقتهم الثمين بمثل تلك الردود.

الرسالة تبدأ بالتالي: لماذا يا خالد المطوع؟ وتقول: منذ أن بدأت تكتب في الصحف وبداية مع «أخبار الخليج»، فرحت كثيراً كثيراً، لأني رأيت أحد طلابي الذين درستهم قد فاقني علماً وفهماً بالسياسة والواقع، وكنت أفتخر أمام زملائي المدرسين بأن هذا الكاتب المتميز من تلاميذي الذين درستهم في مدرسة الرفاع الغربي، وهذا شرف لي أعتز به كثيراً، وخصوصا عندما كانت كتاباتك إسلامية، وكنت تدافع عن الإسلام وعن أهل الدين، وتقف في وجه العلمانيين والليبراليين الجدد، وكنت أتتبع كتاباتك أولاً بأول. ولكن، فجأة ومن دون سابق إنذار رأيناك تحولت 180 درجة، وبدأت تطعن في أهل الدين، وتتهمهم في نياتهم، بل إن كثيراً من أهل الخير متعجب من هذا التحول الخطير. فهل خدمة الدين والدفاع عن الإسلام إلا شرف لك ورفعة؟، وهل الفخر كل الفخر إلا في الدفاع عن حياض الإسلام، بدل أن تقف مع من يحاربون الدين ويستهزئون بشريعته العظيمة؟.

لقد آلمنا هذا التحول والنهج الذي نهجته، وكلنا أمل أن تعود لسابق مجدك، وأن تسخر قلمك راية لرفع لواء الإسلام... الداعي لك بالخير: مدرسك».

وحمدت الله على تسلمي لهذه الرسالة، بغية توضيح سوء الفهم الشائع بشأن ما أتبنى من أفكار ومبادئ وآراء، وما أدعو إلى تبنيه من مواقف سياسية واجتماعية على اعتبار أنها أتت كبادرة تستوجب تصحيح الفهم والصورة التي قد تكون شائعة عن تجارب انتقالاتي المتعددة بدءًا من الكتابة في «أخبار الخليج» ومروراً بــ»الوطن» وانتهاءً بــ»الوسط»، وذلك خلال فترة زمنية وجيزة أقدرها بثلاث سنوات، سعياً وراء الحرية في النشر أولاً وآخراً، والتي أجد هنا سقفها عالياً ومسئولاً بشكل قياسي مقارنة بصحف أخرى. ومن دون شك هنالك الكثير من الجوانب التي يمكن أن أعذر فيها القراء الأعزاء الذين غالباً ما تنحصر العلاقة بيني وبينهم للأسف في نطاق المقال المنشور، والذي إن عكس جانباً مني فإنه عكس أيضاً جانباً من إرادة وتصرف المؤسسة التي تقوم بالنشر، والتي كانت تسعى من دون شك إلى تأطيري وقولبتي قدر الإمكان فيما يتوافق مع مصالحها واتجاهها العام، أو ربما يتوازى ولكن لا يتصادم مع خطوط سيرها العامة في أرضيات المبادئ والمصالح!

لذلك فما يحتاج أن يدركه القراء هو أنني وفي المرات السابقة ليس بالضرورة كل ما كتبته قد تم نشره بحذافيره، وإن كنت أفخر وأعتز بأنني ومنذ أن بدأت الكتابة في صحيفة «الوسط» والحمد لله لم يمنع لي مقال واحد، ولم أتعرض لمضايقات في النشر، وكسر لرقبة النص، وقص وقطع وريدي للكلمات والعبارات لينزف المقال حتى آخر عافيته الفكرية والإنشائية معاً دون إسعاف وتضميد، كما سبق أن تعرضت له في بعض تجاربي السابقة، وإن كان يوجد هنا بعض التشذيب الراقي والمحترم الذي أقدر لأصحابه المختصين الأفاضل قيامهم به احتراماً لهم ولمسئولياتهم لكونهم الأقرب مني إلى التفاعل العام ومواجهة وملامسة الردود المتنوعة على ما أكتب بشكل أكثر مباشرة.

وحتى أتجنب الإطالة، فسأتطرق إلى ما جاء في الرسالة بداية من توجيه الشكر والتقدير لكاتبها على متابعته لما أكتب في الصحافة المحلية أولاً بأول، وإعجابه بمهاجمتي لمن يسمون أنفسهم بــ»الليبراليين الجدد» وأبناء التيارات العلمانية واليسارية، وحتى انتقالاً لتعجبه مما حصل لي من تحول بمقدار 180 درجة! وفي الحديث عن التحول «الذي ألم بي» أكان بـ 90 أو 180 درجة أو حتى 1800 درجة، فإنني لا أرى هناك أي شيء يستحق التعجب والاستنكار لهذه التحولات، فأنا أؤمن بأنه لا مانع على الإنسان وخصوصاً إذا ما وضع لسوء حظه وقدره في أوحال السياسة المتحولة والمتغيرة، من أن يراجع أفكاره وتصوراته بصورة مستمرة ومدى نجاعتها وفاعليتها وصدقيتها، فهي أمور قابلة للنقاش والأخذ والرد حسبما يقتضيه الواقع، وحسبما تقتضيه مصلحة المواطن والوطن والأمة التي نتشرف بخدمتهم جميعاً. ولكن في الوقت ذاته ينبغي على الإنسان، وخصوصاً صاحب القلم، أن يراعي بأن هذه التحولات أكانت طفيفة ظاهرياً أم راديكالية باطنياً، يجب أن لا تأتي على حساب ما يؤمن به من قيم ومبادئ، وقبلهما الوازع الأخلاقي الإنساني.

أما بخصوص الحديث عن كوني انتقدت سابقاً في مقالاتي «الليبراليين الجدد» وبعض «العلمانيين»، فما أود أن أبينه هو أنني بشخصي وقلمي، لم أتغير، فلا زال موقفي واحداً تجاه «الليبراليين الجدد» الذين سبق أن انتقدتهم ولا أزال أنتقدهم، وسأنتقدهم على تمجيدهم للاستعمار والاحتلال، وعلى مواقفهم السياسية المتخاذلة والمتواطئة مع الحملات المسعورة على الشخصية الحضارية للأمة العربية والإسلامية، وعلى انتهازيتهم الفكرية، وقمعهم للآخر المختلف، أكان يسارياً أم قومياً أم إسلامياً، ولن يتبدل موقفي درجةً واحدةً طالما ظلوا يمارسون هذه المواقف والأخلاقيات السياسية التي لا أتشرف بالسكوت عنها في وقت يسفك فيه الدم العربي والمسلم، وفي الساعة التي تذهب فيها النخوة والكرامة والإنسانية أدراج الرياح حتى آخر ذرة!

وحول انتقاداتي الضمنية لبعض المنتمين للتيارات الإسلامية وخصوصاً في واقعنا السياسي المحلي، فليعلم أستاذي الفاضل بأنني لم أكن أبداً في صدد شيطنة طرف في مقابل تأليه طرف آخر (والعياذ بالله)، فأنا لازلت أكابد قدر الإمكان للاحتفاظ باستقلاليتي وموضوعيتي، وإن أدى بي ذلك إلى التهلكة، ولكن نقدي الشديد الموجّه ضمناً لا شخصاً إلى هؤلاء هو ليس بالنقد الذي يمس حياتهم الشخصية أو انتماءاتهم الدينية، بل هو نقد سياسي بحت لموقف وأداء سياسي وسلوك أخلاقي باعث للفشل والإحباط والخزي. كما هو ممارسة لواجب أخلاقي وأمانة كبيرة في المراقبة والنقد والتوجيه والنصح متى ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وليس الاستعداء.

فأنا وإن كنت أنحني احتراماً للحركات الإسلامية السياسية المضطهدة في البلدان العربية الشقيقة والتي تقف في صفوف النضال الوطني لانتزاع الحقوق والحريات المدنية المشروعة، وإن كنت أنصر بقلمي كل مجاهد يقف دفاعاً عن ثغور الأمة ضد أعدائها، أكان في العراق أم في لبنان أم في فلسطين والسودان والصومال والشيشان وأفغانستان وغيرهم الكثير من العرض المستباح، فإن هذا لا يعني بالمرة أن أسكت عن الخصوصية الفريدة الشاذة لبعض التيارات الإسلامية في محيطنا المحلي والمنفصلة عن المحيط الإقليمي والعالمي!

كما لا يعني سكوتاً مني عن عملية بشعة وملموسة يستغل فيها الدين كما لو كان متاعاً وسلعةً يراهن بها في سبيل تحقيق مصلحة انتخابية، ولا يعني أبداً أن أسكت عن ما يجري من انتهاك منظم ومقصود لأعراض المساجد والمنابر الدينية في أيام الانتخابات لاستخدامها كحصون رملية ضد «خصوم» مناضلين وشرفاء وجدت في أخلاقهم وسلوكهم وقناعاتهم الفكرية من نور الدين الحنيف ودرر جلاله ما لم أجده في من يدعون الانتماء إلى التيار الإسلامي الأوحد و»الحقيقة المطلقة»، وهم يمارسون نفخ الكير في نيران السلطة على أشده، ويلبسون الذهب ويتيممون بالشيكات والكوبونات ليذروا رماد المكاسب الفئوية في عيون شعب فقير وطيّب إلى آخر درجة!

لذلك لايزال كاتب هذا المقال تلميذك الذي عهدته، كما هو لم يتغير شيء من رائحة كتابته والحمد لله، ولم يتغير منه شئ، اللهم سوى وزنه وحجمه الفيزيائي الذي يظلّ في ازدياد مستمر! وبالتالي لا أجد من يستحق مثل هذا العتاب المحترم، إلاّ الواقع المتغير ذاته، والذي يرينا كل يوم من مكنوناته العجب العجاب?

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1577 - السبت 30 ديسمبر 2006م الموافق 09 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً