التحولات في الطبقة الواحدة، والتي يمكن الاستعاضة عنها بمصطلح «الحقل»، أو الانتقال من حقل إلى حقل كما يطلق عليها عالم الاجتماع بيير بورديو، لها أكثر من صيغة وكيفيات مختلفة أيضاً، فقد تكون بمفهوم التطلع إلى الانتقال من حقل إلى حقل، ولكن قد لا ينطبق ذلك على البدوي الذي يحمل القبيلة كمفهوم في سعيه إلى المدنية، أو ما يطلق عليه علماء الاجتماع بالترقي الاجتماعي. وقد تكون قفزة اجتماعية يتحول من خلالها البدوي إلى «سمسار أسهم». إذاً القضية أعقد من ذلك، ولذلك كان النظر إلى قضية تحول البدوي إلى مدني مع المحافظة على القبيلة داخله أمرا مربكا.
عموماً، بنى بيير بورديو نظريته، أو البنية الأساسية في نظرية بورديو، هي أن «الثقافة وسط تتم به، ومن خلاله عملية إعادة إنتاج بُنية التفاوت الطبقي». وقد اعتمد في إثبات نظريته إلى نظريتين. الأولى مفهوم رأس المال الثقافي، والثانية مفهوم الخصائص النفسية. وعليه، تكونت عند بيير بورديو قناعة بأن الثقافة بالضرورة تطرح مبادئ بناء الواقع الاجتماعي الآتي أو الجديد، وهي بذلك من حيث كونها نسقا رمزيا، رأس مال قابل للتحول إلى رؤوس أموال، سواء رأس مالٍ اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي، أو أي شكل من أشكال رأس المال.
بورديو يؤمن بأن المجتمع تخلقه عناصر اجتماعية تقوم العلاقات فيما بينها على الهيمنة، والفرد من هذا المجتمع يحتكم إلى «رؤوس الأموال»، ويتحرك في المجتمع انطلاقاً منها، ويرجع لطبيعة رأس المال لمعرفة أو قياس الأفراد وتصنيفهم على أساس كونهم أصحاب الهيمنة، أم ضمن الأكثرية الخاضعة للهيمنة، علماً بأن تركيز علماء الاجتماع قبل بروديو انصب على رأس المال الاقتصادي، ورأس المال الاجتماعي فقط، ويعود كل الفضل لبورديو في مفهوم رأس المال الثقافي، وذلك خلافاً مثلاً لرأي كارل ماركس.
الاستكشاف «السوسيولوجي» الذي يطرحه بورديو بالنسبة إلى الفرد، وطبيعة العلاقات بين المجتمع، يجعلان من هذا المنهج الاجتماعي لتفسير الظواهر، الأقرب للأخذ فيما نريد الشروع في فهمه على الصعيد الثقافي والاجتماعي، فالمجتمع المهيمن يعمل على استمرار هذه الهيمنة، مع الحفاظ على حقله، فهو يقصي أبناء الحقول الأخرى ويقوم بتدعيم بناه. يقصي المهيمَن عليه (المفعول به) بمنعه من الحصول على إمكانات انتقاله من حقل الخضوع للهيمنة إلى حقل الهيمنة، ويقوم بتدعيم بناه، بتوسيع رقعة ملكه وسيطرته.
يبدو واضحاً منذ القرن الثامن عشر، أن وضعية البحريني الخاضعة لمتغيرات كثيرة، منها على الصعيد السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي أو غيرها، تجعل من هذا الفرد رهين وضع اقتصادي واجتماعي وسياسي معين، يفرض عليه أن يعمل على تحسينه من خلال حراكه في المجتمع، فهو في حال صراع مع القوى المهيمنة، التي تمتلك رؤوس الأموال. ولأن لدى الإنسان سيرورة للرقي فهو يتصور أن الانتقال من حقل المهيمن عليهم إلى حقل المهيمنين سيكسبه الرقي، وهو بذلك ينتقل من صيغة الضعف الاجتماعي إلى الهيمنة، التي من خلالها سيوفر المعيشة الحياتية التي يعتقد ضرورتها أو كماليتها له.
وقد طور بورديو مفهوم التّطبّع (Habitus)، الذي ساعد في فهم طريقة التأثير التي تخلقها ضغوطات المؤسسة على الفرد. ويعتبر بورديو أن الفرد يقوم بإدماج هذه الضغوط ليتفاعل مع اللعبة الاجتماعية، وهو بذلك يساهم في بناء الحقل الاجتماعي وتشكيل الفرد في الوقت نفسه، فالتطبع عند بورديو هو «مجموع السلوكيات المشتركة من الأفراد المنحدرين من الأصول الاجتماعية نفسها، والمتضمنة طرق التفكير والتصرف والتفاعل، والناتجة عن الإدماج اللاواعي للنظم والأعراف التي تحددها مجموعة الانتماء». بذلك نصل لمرحلة الكلام عن التمدن المفاجئ بشأن دخول مفهوم القبيلة إلى المدينة والدولة، والذي قد نجده انتقالا من حقل الخاضع إلى الهيمنة، إلى المهيمن، لكن هل يجب أن نترك الحلم تحت عجلات الطبقية البغيضة؟ يبدو أن العربي يريد أن يتخلص من كونه ضحية لشغل منصب الجلاد. فشكرا يا صاحبي بورديو على النصيحة المتأخرة قليلاً?
إقرأ أيضا لـ "علي الجلاوي"العدد 1574 - الأربعاء 27 ديسمبر 2006م الموافق 06 ذي الحجة 1427هـ