العدد 1568 - الخميس 21 ديسمبر 2006م الموافق 30 ذي القعدة 1427هـ

اقتصاد الظل

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مع تطور الاقتصادات العالمية وتشابكها، بدأت تدخل في القاموس الاقتصادي بعض التعبيرات الجديدة من بينها تعبيرات مثل “اقتصاد الظل” أو “الاقتصاد الخفي”. ويثير هذا المصطلح بعض الخلافات حول تحديد مفهوم أو تعريف علمي له.

لكن بشكل عام وفي الإطار الواسع لهذا المفهوم يمكن اعتباره ذلك الاقتصاد الذي “لا يخضع للرقابة الحكومية ولا تدخل مدخلاته ومخرجاته في الحسابات القومية، ولا يعترف بالتشريعات الصادرة أي أنه يتهرب من كل الاستحقاقات المترتبة عليه تجاه الدولة، وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بالضرائب”.‏

ونظراً إلى تنوع مجالات عمله، يطلق عليه أسماء متعددة بحسب مجال العمل الذي يمارسه فإذا كان متعاملاً بسلعة محرمة الاستخدام والتعامل (أسلحة - مخدرات - سرقة الآثار- المتاجرة بالبشر... الخ) فالبعض يدعوه “الاقتصاد الأسود أو اقتصاد الجريمة”.‏

أما إذا كان التعامل به ممنوعاً واستخدام السلعة مسموحاً مثل (السوق السوداء لبعض السلع - إنتاج بعض السلع بمعامل غير مرخصة - دكاكين وورش غير مسجلة...) فالبعض يطلق عليه “الاقتصاد غير الرسمي”.

واقتصاد الظل أو الاقتصاد الخفي لفت النظر من خلال نسبته العالية في إفريقيا إذ يشكل في الدول الإفريقية أكثر من 60 في المئة من حجم الاقتصاد الكلي وفي آسيا بنسبة تتراوح بين 40 في المئة و60 في المئة من عدد العاملين في الاقتصاد الرسمي وفي المكسيك بحدود 50 في المئة وفي الدول الأوروبية يختلف من دولة إلى أخرى ففي ايطاليا بحدود 20-26 في المئة وفي إسبانيا 10 - 23 في المئة وفي فنلندا وهي أقل الدول نمواً بين 2-4 في المئة أما في سورية يتراوح بين 35-40 في المئة.‏

أسباب بروز اقتصاد الظل

وحول أسباب نمو أو انتعاش اقتصاد الظل يرجع الكثير من الاقتصاديين ذلك إلى تراجع دور الدولة والقوانين المختصة بمكافحة الاقتصاد الإجمالي (غسل الأموال). لذلك لابد من الدعوة إلى زيادة قوة الدولة وتدخلها في الحياة الاقتصادية ويدخل ضمن هذا الاقتصاد الأموال المهربة التي تحرص على تجاوز المؤسسات الرسمية لتحويل الأموال من وإلى خارج البلد المعني. يضاف إلى ذلك حيل التهرب من الضرائب وأعمال الفساد.

لكن جوهر وماهية وأسباب انتشار الاقتصاد غير الرسمي يتركز بضعف معدل النمو الاقتصادي وزيادة نسبة القادمين إلى سوق العمل بالإضافة إلى أن غالبية العاملين في هذا القطاع يتهربون من سداد الضرائب، وانخفاض مستوى الدخل وارتفاع معدل الإعالة بسبب البطالة وزيادة معدل النمو السكاني، وارتفاع معدلات التضخيم التي تؤدي إلى انخفاض قيمة الدخل الحقيقي.‏

ويترتب على انتعاش هذا النوع من الاقتصاد آثار ونتائج التي بعضها اقتصادية وأخرى اجتماعية وأيضاً تعليمية ويقترح أن تعالج تلك الظاهرة الاقتصادية انطلاقاً من أسباب ظهورها.‏

وتواجه الحكومات التي تريد الخوض في غمار اقتصاد الظل صعوبات جمة بسبب عدم توفر منهجية وطنية لتعريفه وعدم توفر المعلومات عن هذا القطاع، وكذلك لصعوبة المقارنة بين من يسعى لتأمين لقمة عيشه وعيش أولاده وبين من يسعى ليراكم الثروات على حساب الشعب.‏

هذا يزيد من صعوبة تقدير حجم اقتصاد الظل. فالذين يشتغلون في الأنشطة الخفية يبذلون ما في وسعهم من أجل حجب ما يقومون به عن السلطات الرسمية. وهذه الأخيرة بحاجة إلى كم هائل من المعلومات والقرائن التي بوسعهم من خلالها تقدير حجم اقتصاد الظل في الاقتصاد الوطني أولاً قبل اتخاذ أية إجراءات من شأنها تقليص الحيز الذي يحتله أو سد القنوات التي يستخدمها.

ولا تنحصر سلبيات أنشطة اقتصاد الظل على المستوى الوطني، بل تحول إلى ظاهرة عالمية نظراً إلى شبكات التعامل المتقدمة التي نسجها الضالعون في أنشطته من أجل تسهيل مهماتهم وحجب ما يقومون به عن أعين السلطات المسئولة.

هذا ما دفع صندوق النقد الدولي إلى إجراء مسح ميداني في بعض الدول التي انتعش فيها اقتصاد الظل مثل الدول الإفريقية. وطبقاً لنتائج ذلك المسح الذي يغطي الفترة بين 1998-1999، تبلغ أنشطة اقتصاد الظل أعلى مستوياتها في نيجيريا ومصر، إذ تصل إلى ما يربو على 77 في المئة و69 في المئة من إجمالي الناتج المحلي على التوالي. وعلى النقيض من ذلك نجدها منخفضة جداً في دول مثل حنوب إفريقيا التي لا تتجاوز نسبته 11 في المئة فقط من إجمالي الناتج المحلي.

أما في آسيا، وخلال الفترة ذاتها، فقد تبوأت تايلند رأس قائمة البلدان التي تمارس فيها أنشطة اقتصاد الظل، فبلغت النسبة 70 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. بينما حافظت كل من سنغافورة ومنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاضعة لسلطات جمهورية الصين الشعبية، إذ لم تتجاوز أي منها نسبة 14 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

أما في أميركا اللاتينية وخلال الفترة ذاتها، فقد كان يوجد أكبر اقتصاد ظل في بوليفيا إذ بلغت نسبته 67 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. أما الأصغر فقد كانت تشيلي التي وصلت نسبتها إلى 19 في المئة فقط.

ومن أهم الدول العربية التي عرفت انتعاشاً ملحوظاً لما يعرف باقتصاد الظل كانت العراق خلال مرحلة “النفط مقابل الغذاء”، إذ بلغت نسبته ما يزيد عن 70 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وشملت الاتهامات الكثير من الرموز العالمية أو أقاربهم بمن فيهم أولئك العاملون في المنظمات العالمية وعلى رأسها الأمم المتحدة.

أما في بلدان منظمة التعاون والتنمية. فوفقاً لأرقام دراسة طبقت على 21 بلداً خلال الفترة بين 1999-2001، انفردت اليونان وإيطاليا بأكبر اقتصاد ظل في المجموعة بنسبة 30 في المئة و27 في المئة على التوالي من إجمالي الناتج الوطني، بينما بلغت أدنى نسبها في الولايات المتحدة والنمسا بواقع 10 في المئة من إجمالي الناتج الوطني، وفي سويسرا لم تتجاوز النسبة 9 في المئة فقط.

أسباب نمو اقتصاد الظل

كثيرة هي الأسباب التي يشخصها الاقتصاديون وراء نمو وانتعاش اقتصاد الظل. لكن حتى الآن لاتزال تلك التشخيصات في مراحلها الجنينية وبحاجة إلى المزيد من التمحيص من أجل التوصل إلى قرار حاسم بشأنها. لكن الملاحظات الأولية تشير إلى أنه عادة ما يكون حجم اقتصاد الظل أصغر في البلدان التي تكون فيها معدلات الضريبة منخفضة نسبياً، وعدد قوانينها ولوائحها التنظيمية محدودة، وحكم القانون فيها راسخاً.

وتشير نتائج دراسات النماذج الاقتصادية المختلفة كلية كانت أم جزئية والقائمة على دراسات ميدانية أو معلومات مستقاة من مصادر موثوقة، إلى أن القوة الدافعة وراء انتعاش اقتصاد الظل وتطور قنواته واتساع دائرة شبكة أنشطته، تعود إلى تزايد أعباء المدفوعات الضريبية ومدفوعات الضمان الاجتماعي، وخصوصاً عندما يترافق ذلك مع خضوع سوق العمل إلى قيود متزايدة. كذلك تمارس معدلات الأجور دوراً مهماً في هذا الاتجاه. وفوق هذا كله يسهم انتشار الفساد في مؤسسات الدولة بحصة لا يستهان بها في انعاش اقتصاد الظل من جراء تغييبه - أي الفساد - لأية مساعٍ من شأنها رصد قنوات اقتصاد الظل أو تحديد المواقع التي ينشط فيها.

اقتصاد الظل الخليجي؟

من غير المتوقع أن يخلو إجمالي الناتج الوطني في دول مجلس التعاون، ومن بينها البحرين، من مساهمة ما من اقتصاد الظل. لكن يبدو أن هناك من لديه مصلحة في عدم تناول هذه الظاهرة، بل لربما يصل الأمر بنا إلى القول إن هناك تعتيماً مدروساً عليها. فلم نقرأ في الأدبيات الاقتصادية التي درست اقتصاد المنطقة أية إشارات من قريب أو بعيد إلى ما يرصدها، ناهيك عن التحذير عن مخاطرها والسلبيات التي تفرزها?

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1568 - الخميس 21 ديسمبر 2006م الموافق 30 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً