لغة النص هي المرآة التي يعكس خلالها منتج النص فكرته المنمقة بالألفاظ والمحسنة بجميع التعبيرات والصور والمخيلات والتي تبث أنساق العواطف. لغة النص ذلك المركّب من إفرازات فطرة الحاجة في جانبها الأدبي، محافظاً على هويته على رغم قسوة التمحيص في نقد أو دراسة أو نظرية وتجربة، وعلى رغم تناوله في مذاهب التأويل منها ما يؤسس فيه (هانزجورج جادامار Hans - Georg Gadamar ) في كتابه الحقيقة والمنهج (Truth and Method ) مجموعة تعقيدات في التأويل والفهم والصورة التي تبرز فيها اللغة.
وبين فلسفة وأخرى تؤسس مدرسة معنية ببناء الوعاء المعبّر، بين ما تحاكي ظاهراً وما يلامس باطناً وما يخلق رمزاً. وعلى رغم تعدد المدارس والمذاهب يجد النص نفسه بين خيارين لا ثالث لهما؛ الوضوح أو المبهم.
الوضوح عمل أقرب للشعبية من المبهم والذي يسهل اختزاله في الأوساط الثقافية، يحاكي الواقع بالواقع ولكنه أرقى من أن يتحول لنثرٍ أو حديث. لما يتمتع بمقاييس جمالية قد يكتفي النص بها، ولكنه لا يختلي من عناصر البناء الأسلوبي. بينما يمتاز المبهم بخلق مساحة شاسعة للتأويل ودراسة النص والاستقصاء سواء كان في فهم مطلق أو جزئي للنص. منوعاً في مصادر جماليات عباراته، ومستعيناً بجزالة ألفاظ يصنع منها محطات لا للاستراحة بل للانطلاق حيث المحطة الأخرى بقطع تذكرة التأمل.
عملية التأمل هي المرحلة التي تسبق التأويل والاستقصاء، والأداة التي تصنع نصاً من جسد نص، أو معنى من معنى آخر على رغم أن النص متماسك قوي البناء. هذا ما كان يشير له جادامار في مستهل كتابه، عندما سأل عن المعنى في النص الأدبي، وعن الصلة بين النص المبني على فكرة معينة قد لا يعيها سواء المنتج، وبين المتلقي الذي يستنتج من النص فكرة أخرى لا تسمد للفكرة الأم بصلة لعدم وضوحها.ولكن ماذا لو امتزجت كلا الحالين (المبهم والوضوح) في لغة النص؟ سؤال يفرضه الواقع كما فرضه على النص الواضح حين تأسس واستمر وعلى النص المبهم حين تباينت بوادر الحاجة له. وهذا لا يعني بالضرورة امتزاج المدرستين بقدر ما يعني تأسيس مدرسة أخرى قائمة على الوضوح في جزئية النص والمبهم في جزئية أخرى. خالقة تصارع مفردي في النص ذاته تتشابك فيه المذاهب وقد لا تكون هناك نتيجة. وسينتج عن جيل آخر?
العدد 1567 - الأربعاء 20 ديسمبر 2006م الموافق 29 ذي القعدة 1427هـ