أصحاب القلوب الكبيرة، هل هم أصحاب العطاء الكبير؟ أم أولئك الذين منحوا الآخرين ما لأنفسهم؟ أصحاب القلوب الكبيرة قلة نادرة، مصابون بداء اسمه الحب، ولذلك اتسع قلبهم وتضخم، وقبل فترة أعلن الأميركيون تطويرهم تقنية تصوير تعتمد استخدام الموجات فوق الصوتية؛ لتحديد سرعة عضلة القلب أثناء عملية الانقباض والارتخاء، إذ وجد الباحثون أن المرضى الذين يمتلكون «قلوباً كبيرةً» وهي أكثر الطفرات الجينية المرتبطة بتضخم القلب، لديهم أدنى سرعة حركية لارتخاء القلب، وفي المقابل لديهم أعلى مستوى من الانقباض، وخصوصاً - كما يقول الباحثون - البطين الأيسر، وهي حجرة الضخ الرئيسية في القلب.
خبر عابر يتحدث عن أصحاب «القلوب الكبيرة»، الذين يحملون ذنباً منذ يوم ولادتهم، أو ذنباً أثناء حياتهم، وهذا الذنب أنهم ولدوا بقلوب كبيرة فقط، قلوب كبيرة! هل أصبح القلب الكبير جريمةً قد يوصل صاحبه إلى الموت؟ إذ يؤكد العلماء أن سبب تضخم القلب راجع إلى الضغط الشديد على القلب، فلا أدري ما إذا كان يجب فحص الشعراء؛ للتأكد من حجم قلوبهم؛ ومعرفة مدى صدقية ما يقولونه، أم سأعتبر أن الشعراء خارج التغطية المرضية بداء القلب؛ لأنهم بكل بساطة ولدوا بقلوب تعمل بأحصنة ثمانية.
قلوب كبيرة، هذه كلمة كانت تترد كثيراً؛ وبسبب نشأتنا في مجتمع تأخذ السياسة فيه العناوين الرئيسية، يتم الحديث عن شعب يملك «قلباً كبيراً»، ويتم الحديث أيضاً عن رئيس يملك «قلباً كبيراً»، ويتكلمون عن ديمقراطية مصابة بداء تضخم القلوب، وثقافة متسعة القلب، فيا الله أكل هؤلاء مصابون بالمرض الذي يبحث فيه العلماء الأميركان؟ لم تكن هذه الأسئلة تعنيني إلا حين أخبرني طبيب والدتي أنها تملك قلباً كبيراً، وبكل بساطة كان ردي: «نعم، والدتي تملك قلباً كبيراً»، لكن نظرته كان تشير إلى جهة غير الفرح، وللمفارقة أن الأطباء يطلقون على الأزمة القلبية «السكتة القلبية»، هل لأن ثرثرة القلب النبضية أجهدته، فقررت هذه النبضات الاستقالة من وظيفتها؛ لذلك أطلق الأطباء عليها اسم «سكتة قلبية»؟
يا الله يبدو أن القلوب تخرج مني الآن بكثافة عالية، كما يحدث في الرسوم المتحركة، فقبل قليل أخبرني أخي أن النساء صاحبات قلوب كبيرة وعقول صغيرة، طبعاً لم أوافقه الرأي؛ لأن النساء مثل الشعراء، فهم من الفصيلة نفسها، وإذا أردت أن تجد الشعراء فابحث عن مكان النساء، والعكس للأسف غير صحيح، ولكن... النساء يشبهن الشعراء في أمرين: الأول، أن قلوبهن فنادق سيئة، وذلك لأنها صغيرة وتتسع للكثير من المقيمين، والأمر الثاني: أن الخلل لديهن ليس في صغر العقل، فهذا أمر لا يصلح مع مكر المرأة، لكن ما تتشابهن به مع الشعراء هو طول لسانهن كما هم الشعراء، وأعتقد أنه ليس مرضاً كسابقه، لكنه بكل بساطة كارثة فقط.
وللمفارقة أيضاً أن الطيور خلقت بقلوب كبيرة، في حين لم تكن مرضاً، بل كانت حمايةً لهذا الطائر وكذلك عضلات صدره القوية، والقلوب الكبيرة أبسط الرموز التي يستخدمها العشّاق، فهي من أجمل الهدايا لديهم، فنجدها على شكل حقائب يدوية، حلويات وبالونات، وكلها طبعاً تصطبغ باللون الأحمر، وهو لون الدم، ورمز العاطفة الكبيرة، فلماذا كل هذه المعاني ملتصقة بـ «القلب الكبير»؟ وهذا القلب يمكنه حمل الكثير ولكنه لا يحتمل حمل نفسه.
أخيراً، دائماً ما يقال إن بيت الحب القلب، فسألني مرة ابن أختي: «أي كبر اتحبني خالي»، فأجبته: «بحجم السماء»، توقف لحظة ونظر إلى السماء ثم أعاد النظر إليَّ، وسألني: «وكم تحب بتول (أخته الصغرى)؟»، فأخبرته: «بحجم البحر»، فأجابني: «تكذب!»، فلما سألته عن سبب رده هذا قال: «قلبك ما يجزي»، نعم قلبي لا يسع كل ذلك، وهنا ارتبكت؛ لأن القلب آلة لضخ الدم فقط، والعقل «الملعون» هو من يتفاعل مع هذه المشاعر، فتخزن فيه قيم الحب والجمال والانفعال، إذاً لماذا يردد الشعراء كلمة قلب في قصائدهم دائماً، في حين أنهم يمتلكون - إذا كانوا يمتلكون - أصغر وأسوء القلوب على هذه البسيطة، مع النساء طبعاً، وهذه القلوب الصغيرة التي يمتلكون لا تحمل حباً؛ لذلك وجب أن ندعو الله عليهم بأن «يجعل قلوب الشعراء كبيرةً»، ويجعل قلوب الشعوب ليرحمها صغيرةً?
إقرأ أيضا لـ "علي الجلاوي"العدد 1567 - الأربعاء 20 ديسمبر 2006م الموافق 29 ذي القعدة 1427هـ